عمر صدقي.. محب القرآن معلم الصبيان

علاقة وطيدة بكتاب الله، وحرص على معايشته وتعليمه، وهم كبير بوطنه وأهله، ونموذج وقدوة لأبناء جيله، ومحل ثقة للكبير والصغير، ثم بعد ذلك وقبله تلمس لمواطن الشهادة بصدق حتى نيلها.. هكذا كان بطل قصتنا.

عمر الفاروق صدقي إبراهيم محمد، (28 عاما) من مواليد مدينة طلخا بمحافظة الدقهلية، طالب في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، كان حافظا لكتاب الله محفظا له، وله في ذلك همة ونشاطا مؤثرا، الأمر الذي أكسبه ثقة مركز “المعصراوي” للقرآن وعلومه، أحد أبرز مراكز تحفيظ القرآن، حيث عينوه مسؤولا لفرعهم في محافظة الدقهلية.

كان عمر شابا مسالما محبا لدينه ووطنه، علاقته بالنشء والأشبال مميزة، حيث أخذ على عاتقه تعليمهم مكارم الأخلاق ومبادئ الدين، وكان له في ذلك أسلوب شيق، جذبهم إليه وربطهم به، ولذا كان أثر فراقه عليهم شديدا.

كان إلى جانب ذلك شابا ثوريا، ذا حماسة وإقدام في مسار دعم الثورة والمشاركة في فعالياتها المختلفة، وكان أحد الفاعلين فيها منذ يومها الأول، ونقل عنه تمنيه الشهادة في أكثر من مشهد وموقف، وهو ما اعتبره أقرانه صدقا في الطلب، فصدقه الله وبلغه أمنيته.

عرف عمر بحيويته وإبداعه فيما يقوم به من أنشطة وأعمال، وكان في مقدمة ذلك عمله مع الأشبال، حيث كان مشرف على حلقاتهم في أكثر من 7 مساجد بمدينته، كذلك كان له دور ونشاط في مجال الدعوة إلى الله من خلال وسائل وأساليب متعددة، ومن ذلك إدارته لمشروع مسجدي بعنوان “مسجدي جنة”، فأحبه الصغار والكبار.

وكان إلى جانب نشاطه المجتمعي وعمله العام، كان نشيطا في علاقته بربه، ومميزا في مساحته العبادية الخاصة، وكان في ذلك نموذجا وقدوة لأصحابه، يتعلمون منه مكارم الأخلاق، كالإيثار، والصبر، والتجرد والإخلاص في العمل، ورأوا من خلاله كيف أن السعي إلى الشهادة يكون بالعمل لا بالقول.

كان لعمر نصيب كذلك في العمل الخيري، وخدمة البسطاء وقضاء حوائجهم، وينشط في أعمال البر بشكل عام وفي مواسمه المعروفة بشكل خاص، ففي عيد الأضحى يشتغل بجمع الجلود للجمعيات الخيرية، وفي رمضان ينشط في إعداد شنط رمضان، وهو إلى جانب ذلك كان مرحاً بشوشا محبوباً من كل من عرفه.

وفي سياق همه الدعوي والفكري وجهده مع النشء والشباب، كان عمر يحرص على مصاحبتهم في الأنشطة الميدانية، كالرحلات والمشاركة في فعاليات رياضية، ونحوها، وهو الأمر الذي كان له أبلغ الأثر بتقديم القدوة والنموذج، كما كان يحرص على استغلال مواهبهم في القيام بأداء أعمال فنية تمثيلية هادفة.

وكان يشارك معهم بنفسه في تلك الأعمال، ويحب أن يؤدي دور شاب أصيب برصاصة قناص ونال الشهادة، وكأنه يصبوا إليها عبر أدائها في المشهد أملا في أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه حقيقة، وقد جاء.

نشاطه وتميزه كان حاضرا كذلك في مشاهد الثورة بمراحلها المختلفة، وكان إيجابيا لا تكاد تفوته فاعلية من فعالياتها، فقد كان حاضرا في أيامها الأولى، ثم في أحداث محمد محمود، والعباسية والاتحادية، وكان ضمن قليلين ممن أدركوا خطر العسكر وأطماعهم في السلطة، ومن ثم كان في مقدمة المشاركين في اعتصام رابعة العدوية حتى أصبح أحد ضحايا فضه.

طموحه للشهادة كان مسيطرا عليه، وقد أدى به ذلك، حسب أحد رفقائه، إلى التخطيط قبل وقوع الانقلاب للذهاب إلى سوريا، ودعم ثوارها ضد نظام بشار الطائفي، إلا أن وبعد وقوع الانقلاب العسكري، وجد أن ميدان الثورة المصرية أولى، فدأب على المشاركة في المظاهرات الرافضة للانقلاب، ثم شارك في الاعتصام بميدان رابعة.

ظل متواجدا في الميدان إلى أن وقعت مجزرة الفض في 14 أغسطس/آب 2013، ووقعت أكبر مجزرة في العصر الحديث على يد قوات الجيش والشرطة الذين استهدفوا المعتصمين السلميين بمختلف أنواع السلاح، وكان نصيب عمر رصاص حي متفجر، أصابه فارتقت روحه لبارئها.

يحكي أحد رفقائه في الاعتصام، أنه ليلة الفض، أقام الليل بخشوع ملفت، وأصبح على غير عادته صائمًا، إذ كانت عادته صيام الإثنين والخميس، ويوم الفض كان يوم أربعاء، وكان أحد أصدقاءه يمازحه عقب صلاة الفجر، فقال له عمر “اتركني أنام حتى إذا جاء وقت الضرب أكون في الصفوف الأولى” قال له صاحبه “يا شيخ عمر هتجري وتخاف”، فرد عليه “وقتها ستعلم من سيصمد ومن سيجري”.

وبالفعل، أظهر عمر حين بدء الفض إقداما وشجاعة، حيث هرع إلى مكان الضرب، وبدأ يوثق ما ترتكبه قوات الجيش والشرطة بكاميرته، وبالفعل نجح في تسجيل 63 دقيقة من مشاهد المجزرة، إلا أن حياته كانت ثمنًا لهذا الدور الفريد، حيث تم استهدافه من طائرة هليكوبتر.

وفي أول حفل أقيمت لحفظة القرآن بعد استشهاده في دورة النوابغ، وضع طلبته وزملاءه لافتة على منصة الحفل باسمه وكتبوا عليها (الغائب الحاضر) ووضعوا له كرسيا فارغا في المقدمة بجانب الضيوف.

نعاه والده بكلمات مؤثرة قال في بعضها “علمتني يا بني، يا قرة عيني، لحظة انقطاع الاتصال بين أحياء الدنيا وأحياء السماء، لحظة انتزاع دموع العين وعصارة القلب ولوعة الفراق وفرحة الشهادة في سبيل الله، والرضا المطلق بقضاء الله الذي لا يُرد ولا يُمانع. أقول يا عمر الفاروق: لقد علمتني ما لم أتعلمه في حياتي الطويلة وتجاراتي العديدة…”.

انطلقت جنازة عمر من مسجد الغنام بمدينة طلخا في محافظة الدقهلية، وشارك فيها الآلاف وكانت جنازة مهيبة تحولت إلى مظاهرة تعالت فيها الهتافات ضد العسكر، ومن ثم لم تسلم من اعتداء قوات الانقلاب بالغاز والرصاص من أجل تفريقهم.