عمر أسامة.. صاحب الابتسامة الآسرة

كان آخر ما كتبه على صفحته السخصية بموقع فيسبوك “لما ربنا يسألني عملت إيه للناس اللى كانت بتموت وبتعتقل هقوله إيه.. هقوله كان عندى امتحانات!”.

عمر أسامة (21 سنة) صاحب هذه العبارة التي سبقت استشهاده بيوم، كان طالبا في الفرقة الثالثة بكلية التجارة انجليزي في جامعة القاهرة، أسرته مكونة من 5 أفراد، والديه وشقيقين، أنس وعبد الرحمن.

من مواليد منطقة شبرا في القاهرة، وعاش حياته وسط مساجدها ومجالس ذكرها، وصحبتها الصالحة التي تحرك معها في خدمة دين الله والوطن والأمة، كان يحنو على الفقراء والأيتام، ويشارك في حملات الخدمة العامة التطوعية، ويتفاعل بإيجابية مع قضايا الوطن السياسية والإسلامية.

نشأ عمر في أسرة متدينة فأحسنت تربيته على عتبات المساجد وساحاتها، تعلم القرآن وعلمه وأحسن التلاوة، وكان مواظبا على الاعتكاف في شهر رمضان، كانت بسمته لا تفارقه حتى عند غضبه، وكان ذو عقل راجح سابق لسنه، اتسم بالرجولة وتحمل المسئولية منذ صغره.

في 16 يناير/كانون ثاني 2014، كان عمر متواجدا في الجامعة بعد أن جلب بعض ملازم الدراسة المعينة على أداء امتحانات الترم، وشارك بوقفة طلابية تطالب بالإفراج عن بعض الطلاب المعتقلين.

ورغم كون الوقفة سلمية داخل حرم الجامعة، إلا أن رئيسها في ذلك الحين جابر نصار، استدعى قوات الأمن التي هاجمت الوقفة بعنف وأطلقت الرصاص ليصاب عدد من الطلبة من بينهم نجل نصار نفسه، فيما سقط شهيدان أحدهما بطل قصتنا عمر أسامة.

وبينما يهتف الطلبة في سلمية، إذ بهم يجدون عمر يسقط وسطهم بعد أن أصابته رصاصة في الرأس، وكان الأمر صادما ومفاجئا، ولم تفلح محاولات إسعافه، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة كون الإصابة كانت مباشرة.

يقول أنس شقيق عمر، جاءني اتصال من أحد الأقرباء يسأل على شقيقي عمر، فأحسست أن في الأمر شيء، فاتصلت عليه فلم يرد، ثم اتصلت على والدي فلم يرد، وحين اتصلت بأخي عبد الرحمن، قال لي وهو يبكي، احتسب عمر شهيدا، فلم أتمالك نفسي وسقطت على الأرض.

يحكي والده عنه فيقول، عمر كان من النوع الذي حين تراه أو تجالسه ولو لمرة واحدة، يدخل قلبك، وتجد الراحة في صحبته، فقد كانا “حبوبا” صاحب وجه لطيف مألوف، وابتسامته صافية وطريقة حديثه جميلة.

يتابع الوالد، “بعد استشهاده قام شقيقه عبد الرحمن باستخدم حسابه على الفيس، فوجد الكثيرين يرسلون له ويقولون، إنهم لم يلتقوا عمر سوى مرة واحدة، لكنه ترك بصمة كبيرة في حياتهم”.

ويصف الوالد مبتسما كيف أن انفعالته كانت “لذيذة”، فكان إذا أحب شيئا أحبه بشدة، لكن إذا تضايق من أمر لا يدفعه ذلك إلى كره أحد، وإنما يشعر بالشفقة على من يتحدث معه ولا يفهمه.

بينما تؤكد أمه المكلومة، أن فقيدها عمر كان شديد البر بها، وكانت لا تذهب في مرة لزيارة والدتها إلا ويحرص على إيصالها ثم إعادتها، وتقول إنه كان مستبشرا يحب الضحك، وكان يناديها بما تحب من أسماء.

تصف حالتها حين علمت بالخبر فتقول، “حين علمت، استرجعت الله، ودخلت في نوبة بكاء، ثم قمت فتوضأت وصليت ركعتين لله، وتضيف بأنه كان يشعر بدنو أجله، وكان يكتب في كل ورقة من ملزمته أبيات شعر تعكس تمنيه الشهادة، وتبرز المعاني المساعدة على نيلها.

بينما يصف الوالد شعوره حين سمع بالخبر، بأنه انتابه إحساس متباين، ما بين عدم التصديق بأن يكون القتل لسلمي بهذه السهولة، والحزن على فراق الابن الذي كان يحبه، والسعادة الغامرة بنيله الشهادة التي تمناها، وكان صائما حينها.

فيما يقول شقيقه أنس في تأثر، كان عمر أفضلنا، وكان ذا أثر علينا، ويحكي كيف أن والده طرده في يوم لأنه كان يشرب السجائر، فتبعه عمر بعد خروجه من المنزل، وعنفه وقاله له، أنت بلا إراده، ولا تريد أن تصبح رجلا.

يصف أنس شعوره حينها وكيف أنه كان متضايقا من شقيقه عمر، إلا أنه أدرك بعدها أن ما فعله كان لصالحه، مشيرا إلى أنه كان شديد البر بوالديه، محافظا على الصلاة، حريصا على تقوية علاقته بربه.

يقول أنس في مداخلة تلفزيونية، بعد استشهاد شقيقه بثلاث سنوات، إنه يشعر بالقهر لأنه لم يستطع حتى ذلك الحين أن يأخذ حق شقيقه.

يحكي صديقه، محمد جلال، كيف أن عمر كان حريصا على المشاركة في اعتصام رابعة العدوية، رغم عدم انتمائه لجماعة الإخوان، وحين كنت أمازحه وأقول له، انت من الإخوان يقول لا أنا من مجموعة “حازمون” لكني أشهد أنه كان يجمع الخير كله من جميع التيارات والحركات.

كان ندي الصوت في تلاوة القرآن، مرحا ناشرا للبهجة والفرج، وكان الأكثر وصولا لقلوب الشباب، لأسلوبه الجذاب وطريقته المثالية في التواصل معهم، ولم يكن تمنيه للشهادة في سبيل الله متوقف على الكلام، بل كان يعمل لذلك.

بينما يحكي عبدالرحمن حسين، ملابسات استشهاده، وكأنه يخاطبه فيقول، “رأيتك أول ما أصبت وسقطت أمام الباب الرئيسي، فجريت نحوك لأحملك، ولكن سبقني إليك بعض الزملاء، حملناك وجرينا حتى وصلنا أمام القبة، ولكثافة الغاز لم نستطع الاستمرار”.

يقول صديقه عماد حنفي، “عمر تمنى الشهادة وصدق الله فارتقى إليه شهيداً نقياً، هو واحد من أنبل وأخلص الشباب، اتصف بمكارم الأخلاق وأحسنها، وتجمعت فيه حماسة الشباب وقوة الرياضي رغم جسمه النحيف، والهمة والهدوء وصمت المخلص الذي ينأى عن الأضواء ويحب الخلوة مع ربه”.

كان عمر كذلك ناشطا في الأعمال الخيرية والتطوعية والخدمية، وأحد الناشطين في العمل الطلابي بجامعة القاهره، وكانت صفحات حياته بيضاء عامرة بالطاعة والعمل الصالح وارتياد المساجد والارتحال في سبيل الله، وارتبط نعومة أظافره بالمساجد، والتزم بمجالس الذكر في مدارس الأشبال إبان طفولته.

فيما يقول أحد أصدقائه، أشهد أمام الله أن عمر كان يطلب الشهادة بصدق وكنت أغبطه على صدقه، وكان شديد الذكاء سريع الاستيعاب، ثائر وعنده مرونة عقلية تميزه عن أقرانه، وكنت لا أجد جهدا فى إيصال أعمق المعانى وأكثرها تجريدا إلى قلبه.

كانت جنازة عمر حاشدة حضرها المئات من زملائه وأهالي منطقته، ورددوا خلالها هتافات غاضبة تطالب بحقه، وتؤكد على الوفاء لدمه.