سنة ونصف فقط، هي ما كان يحتاجه بطل قصتنا، من حين التزامه واهتمامه بما يتجاوز حاجاته الشخصية، ليبلغ عتبة الشهادة، إلا أنها كانت مليئة بعمل الخير والسعي في مصالح الغير، ما قد لا تسعه سنوات طوال من أعمار آخرين.
عمرو خالد خليل (23 عاما) من مركز مشتول السوق بمحافظة الشرقية (شمال شرق)، نشأ وترعرع في أسرة متدينة معروفة بالصلاح، من نسل عائلة صوفية، حسنة السيرة، فجده الشيخ عبد الحميد الجوهري، وكانت أسرته الصغيرة مكونة من 4 أبناء وبنتين، هو الثالث بينهم.
ولد عمرو في السابع من يونيو/حزيران 1990، وهو متزوج ولديه بنت اسمها مريم، وكان يعمل في مهنة النقاشة، ورغم بساطة الحال، إلا أنه كان عزيز النفس مقبلا على عمل الخير، لم يجد غضاضة في أن تكون مهنته أحد مسارات عمله الخيري.
عُرف في محيطه وبين أهله وجيرانه، بدماثة الخلق والالتزام الديني، وكان حسن المعشر طيب القلب، يسعى في عمل الخير ومساعدة المحتاج، وقد عرفه أهل بلدته بأدوار إيجابية متعددة، وكان له بصمة واضحة في مسار تجهيز العرائس ومساعدة الفقراء.
لم يكن عمرو في سابق عهده ممن يهتمون كثيرا بالعمل العام والسياسة، بل كان شخصا عاديا، إلا أنه قبل استشهاده بعام ونصف، تغير حاله، على خلفية التزامه الديني، والذي كان لزوجته دور كبير فيه حسب أسرته، ومن حينها بات مهتما بشؤون وطنه ومستقبله.
يقول والد عمرو، إن ابنه في يوم فض رابعة العدوية، استيقظ من النوم فزعا، وحين علم بما يحدث، أصر على الذهاب رغم الممانعة من أسرته، وظل والده يتابعه في قلق ووجل، إلا أنه لم يتح له بلوغ ميدان رابعة، حيث تم احتجازه بأحد المساجد عند كوبرى 6 أكتوبر.
يشير الوالد إلى أن نجله لم يكن مهتما كثيرا باحتجازه، وإنما كان يسأل متلهفا عند كل اتصال من قبله به عن أحوال من هم في ميدان رابعة، وما يجد خلال يوم الفض من أحداث ومجريات في طول البلد وعرضها.
يحكي أحد أصدقائه كذلك، أنه خلال هذا اليوم، وجد أحد جنود الأمن قد وقع في يد المتظاهرين، وكادوا أن يفتكوا به، فبادر بالدفاع عنه، واستخلاصه من بين أيديهم قبل أن يهلك، وقال له “انت أخويا والجيش بتاعنا” وخلع قميصه وأعطاه إياه، وطلب منه ارتداءه والانضمام في صفوف الثوار ضد الظلمة.
مر يوم فض ميدان رابعة دون أن يصاب عمرو أو يحدث له شيء، ولعل أسرته تنفست الصعداء على اعتبار أن الأصعب قد مر، لكن قدر الشهادة كان ينتظره بعدها بيومين في مجزرة يوم الغضب برمسيس، في السادس عشر من أغسطس/آب 2013.
يحكي أحد أبناء منطقته، أنهم كانوا في اليوم التالي ليوم فض رابعة، يتناولون مجريات عملية الفض، ويتأسون على العدد الكبير للشهداء الذي سقط خلال العملية، وحينها قال لعمرو، “بقى كده مفيش ولا شهيد من مشتول خالص..” ليجيبه عمرو في ثقة، سأكون أنا أول شهيد من مشتول إن شاء الله.
يتابع الجار، “كان ذلك الحوار يوم الخميس، وكان استشهاده في اليوم التالي يوم الجمعة بمجزرة رمسيس.. رحم الله عمرو، نحسب أنه صدق الله فصدقه”.
كان خروج المتظاهرين يوم الجمعة الذي عرف حينها بجمعة الغضب الثانية، للتعبير عن رفض ما حدث خلال فض اعتصام رابعة، والمطالبة بمحاكمة القتلة ممن تسببوا في سقوط المئات من الشهداء خلال عملية الفض، إلا أن عداد القتلى زاد واستمر خلال تلك التظاهرة.
وفي ميدان رمسيس، حيث نقطة الالتقاء التي اجتمع فيها عشرات الآلاف من المتظاهرين، طال الرصاص الكثير من الرؤوس والأجساد، وكان نصيب عمرو، طلق ناري في الرأس، استشهد على إثره.
يحكي صديقه أحمد الشلبي، أنه تصادف أن رآه خلال مسيرة رمسيس، قبل استشهاده بدقائق يقرأ ورده من القرآن، وله صورة شهيرة توثق ذلك، فعمرو لم يكن يفرط في تلاوة ورده مهما كانت الظروف والأحداث، وذلك منذ أن التزم به منذ أكثر من عام ونصف ولم ينقطع عنه.
يروي صديقه عاطف، أن عمرو ذهب مرة لدهان شقة عريس حالته المادية صعبة، ويظهر عليه الهم بما عليه من التزامات ومتطلبات، وظل يذكره بالأجر والمثوبة، وأن المسألة ليست قاصرة على طموح ومتعة دنيوية، وترك ذلك أبلغ الأثر في العريس.
كان عمرو شديد الحماسة، حريص منذ التزامه على عمل الخير والعبادات، وكان حريصا في ذات الوقت على بث الخير بين من حوله، حتى شهد له الكثيرون بأنه صاحب الأثر فيهم للالتزام بالصلاة وترك الآثام، وفي هذا السياق، أنه كان صاحب الفضل في التزام أحد إخوته، بعد أن تعهده بالنصيحة.
لم يُر عمرو غاضبا أو عبوس الوجه، فقد كان دائم الابتسام، ما يدفع من يتعامل معه لحبه وألفه، وكان حريصا على أوراده من الأذكار ودائم التذكير لمن حوله بذكر الله والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ومع كل ما مضى، كان عمرو معروفا كذلك بتفاؤله وإقباله على الحياة، وروحه الإيجابية، وسعيه لبثها بين أقرانه وفي محيطه، وكان آخر ما كتبه على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك معبرا عن ذلك بوضوح.