لم يكن ليخطر على بال أحد من معارف ومحبي بطل قصتنا الشاب، أن تنتهي مسيرته التي ظهرت بشائرها بتفوقه وريادته وتميزه العلمي والعملي وخلقه الرفيع، بالقتل خنقا داخل صندوق حديدي، وهو رهن الاحتجاز من قبل قوات أمن بلاده في المجزرة التي عرفت باسم “مذبحة عربة الترحيلات“.
علي مهني أبو خضير (20 عاما) ولد في قرية ميت النحال بمركز دكرنس في محافظة الدقهلية في 11 يوليو/تموز 1993.
كان علي طالبا بالفرقة الثانية في كلية الطب بجامعة الأزهر، وكان متفوقا حيث أنهى سنته الأولى في كليته بتقدير جيد جدا، كما كان عضوا في فرقة الجوالة باتحاد الطلاب، وله 4 أشقاء هم، عبد الله، ومصعب، وعمر، وبلال، ووالده يعمل مهندساً زراعيا.
عاش علي في كنف أسرة حرصة على تربيته تربية صالحة، ونشأة تربطه بربه، الأمر الذي أثمر ثمرة صالحة، حيث عرف بالخلق القويم، وحسن العشرة، كما كان حافظا لكتاب الله، حريصا على رضا والديه، مجدا في دراسته، ذا نشاط مؤثر بين أقرانه، يحب عمل الخير وخدمة الغير.
يصفه والده بأنه كان من الأبناء الصالحين المتفوقين، حيث كان من أوائل المعهد الأزهري، ويحصل مع زملائه على مراكز متقدمة على مستوى الجمهورية ضمن مسابقة أوائل الطلاب.
حفظ علي القرآن الكريم في عمر مبكر، حيث انتهى من حفظه في الصف الخامس الابتدائي، وكان دائما الفوز بالمراكز الأولى في مسابقات القرآن.
يقول أحد أشقائه، “لسنا وحدنا من افتقدنا علي، بل كثيرون افتقدوه، فقد كان من عادته قبل العيد بيوم، المرور على 60 بيتا بالقرية يُعيدُ عليهم، وكان حريصاً على المساعدة في تنظيم ساحات العيد للصلاة”.
يصفه أحد أصدقائه بأنه كان شابا مبادرا صاحب همة عالية، حيث يرى أنه كان حريصا على امتثال الحديث النبوي الشريف “لأن يهدي الله بك رجلا خير مما طلعت عليه الشمس”، وكان اجتماعيا، مهموما بالتغيير وترك الأثر في الغير بما يساعدهم ليتحولوا إلى حال أفضل وأحسن، وعرف بقوة شخصيته يؤثر ولا يتأثر.
فيما يصفه أحد جيرانه بالشاب الصالح الخلوق التقي الذي كان يساعد الجميع ويغض بصره، وكان يؤم أهالي قريته في أحد مساجدها وذلك لحفظه القرآن ويخطب بهم يوم الجمعة.
قبض على علي مثل المئات من غيره أثناء مذبحة فض اعتصام رابعة العدوية، وكان قدره أن يكون ضمن 37 معتقلا تعرضوا لأشنع مذبحة شهدتها مصر خلال تلك المرحلة، حين كدستهم سلطات الانقلاب في سيارة ترحيلات يوم 18 أغسطس/آب 2013.
تعرضوا المحتجزون في عربة الترحيلات والذين كان عددهم 45 معتقلاً مكبّلين بالأغلال، في سيارة سعتها الطبيعية 24 شخصاً، لأشكال من التعذيب، منها طول الانتظار داخل السيارة لقرابة 8 ساعات تحت حرارة الشمس الحارقة، كما روى أحد الناجين.
بدأ المحتجزون في الاستغاثة بطرق أبواب العربة، والصراخ عبر من نوافذها الضيقة، فارتكبت الشرطة جريمة وفاجعة إنسانية بإلقاء قنابل غاز خانقة وحارقة داخل العربة ثم أغلقت عليهم الباب.
أدت هذه الجريمة لقتل جماعي واستشهاد قرابة 37 من المعتقلين ومن بينهم علي مهني، ولم يحاسب بعد أي من المشاركين في هذه الجريمة النكراء.
يتذكر والده تفاصيل وفاة ابنه، فيقول بأنهم بعد فض رابعة اتصلوا به لكنه لم يرد عليهم، ثم بعد ذلك جاءهم اتصال منه أنه مع مجموعة من المعتصمين معتقلين في استاد القاهرة ولا يعلمون أين سيذهبون، ثم وردهم اتصال من أحد المعتقلين مع علي، ليخبرهم أنه تم عرضهم على النيابة وحكم عليهم بالحبس 15 يوما.
لم يكن واضح إلى أين سيتم ترحيل علي وأين سيقضي فترة الحبس تلك، حتى فوجئت الأسرة وهي تشاهد التلفاز بخبر وفاته مع عدد من المعتقلين في سيارة الترحيلات.
على الفور سافر الوالد إلى مشرحة زينهم بالقاهرة مع عدد من أقاربه لاستلام الجثمان، وكانت الفاجعة حيث وجدوا جميع الجثث التي كانت في سيارة الترحيلات مشوهة ومحروقة ومتغيرة اللون، وهو ما صعب عليهم العثور على الجثمان لتغير الملامح، حتى تعرف عليه أحد أقاربه من قميصه الذي كان يرتديه يوم الفض.
كانت جنازة علي منها ورفيقه في نفس المجزرة محمد البنا مهيبة، خرج فيها أغلب أهالي القرية وسط حالة اختلطت فيها أصوات الغضب والصراخ والحزن مع زغاريد النساء وتهنئة أهالي الشهيدين بالفوز وتحقيق أمنيتهما الموت في سبيل الله ورفعة الوطن ومناصرة الحق والوقوف أمام الظالمين.
بعد نحو عامين من المذبحة، قضت محكمة مصرية بتخفيف الحكم على نائب مأمور قسم شرطة مصر الجديدة، المقدم عمرو فاروق، إلى 5 سنوات بعد أن كان قد حكم عليه بالحبس 10 سنوات، بسبب مشاركته في هذه المذبحة، ومعاقبة الضباط إبراهيم محمد المرسي، وإسلام عبد الفتاح حلمي، ومحمد يحيى عبد العزيز، بالحبس مدة سنة واحدة مع إيقاف التنفيذ.
وهو الحكم الذي أيّدته محكمة النقض في فبراير/شباط 2018، بعدما أسندت النيابة إلى المتهمين الأربعة تهمتي القتل والإصابة الخطأ بحق المجني عليهم.