حضور لافت في العمل الخيري، ودور مؤثر في الدعوة إلى الخير والصلاح، وعلاقة وطيدة بكتاب الله، واجتهاد في تعليمه للنشء منذ سنوات دون كلل أو ملل، ومشاركة فاعلة في مشاهد ثورة يناير 2011 منذ شرارتها الأولى، تخللها إصابات، انتهت برصاصات ألحقته بركب ضحايا أكبر مذابح القرن الأخير، مذبحة فض رابعة العدوية.
عطية محمد عطية جاد الله (32 سنة) من مواليد الخامس من يوليو/تموز 1981 بقرية ميت العز، التابعة لمركز ميت غمر، بمحافظة الدقهلية، تخرج من كلية التربية النوعية بجامعة المنصورة وعمل في مجال الأدوية الطبية.
اجتاز عطية الدراسة بمعهد إعداد الدعاة، وعمل إماماً وخطيباً بعد نيله شهادة المعهد، وكان متزوجا ولديه طفلة اسمها كريمة لم تتجاوز العامين حال استشهاده، ورضيع اسماه أدهم كان يبلغ من العمر 40 يوماً يوم استشهاده، ليغيروا اسمه بعدها إلى عطية تيمناً بوالده الشهيد.
تميز بطل قصتنا بحسن الخلق ومكارم الأخلاق، وكان حافظا لكتابه الله محفظا له، حيث كان معلما للنشأ منذ شبابه حين كان طالباً في الجامعة، يشهد له الجميع بالاحترام وحسن المعاملة، كما أنه خدوم يسعى في مصالح الغير، ويعمل على إسعاد الناس وتلبية احتياجاتهم، وكان أحد ركائز العمل الخيري ورعاية المرضى والفقراء والأيتام في قريته.
كان عطية يجتمع مع شباب قريته لتجهيز وتوزيع حقائب رمضان، وعيدية العيد، وله نشاط ممنهج ومستمر في مصاحبة المرضى خلال رحلة علاجهم، كما كان ناشطاً وفاعلا في كافة أعمال البر والأعمال الدعوية والخدمية، حيث كان أحد منظمي القوافل الطبية للعلاج المجاني، وكذلك القوافل البيطرية، والأسواق الخيرية للتخفيف عن كاهل البسطاء.
وإلى جانب حضوره الطاغي في جانب الأعمال الاجتماعية، كان عطية مهتما بالواقع السياسي للبلاد، ملما بما يعتري المشهد المصري من أحداث، مدركا لما تمر به بلاده من أزمات ومحاولات لوأد ثورتها وإفشال تجربتها الديمقراطية، من قبل أرباب الثورة المضادة، ورموز النظام السابق.
ومن ثم كان حريصا على أن يكون له حضور ودور في هذا الجانب، حتى من قبل الثورة عبر المشاركة في فعاليات مختلفة، كما أنه كان من أوائل المشاركين في ثورة يناير وأحد من أصيبوا في ميدان التحرير إبان الأيام الأولى للثورة.
واستمر حضوره في مشاهد الثورة المختلفة، حتى وقع الانقلاب العسكري، فكان من أوائل من تدعوا للتظاهر رفضا له، ثم الاعتصام بميدان رابعة العدوية، وبات يومه مقسوما ما بين عمله، والعودة للميدان لمتابعة الاعتصام، واستمر على ذلك حتى دخل أواخر شهر رمضان، حيث أخذ إجازة من العمل وصار ملازما للميدان كل يومه.
كان عطية حريصا على اصطحاب زوجته وأولاده ليشاركوه الاعتصام في الميدان، واستمر على ذلك حتى يوم الإثنين 12 أغسطس/آب والذي سبق يوم الفض بيومين، حيث عاد بهم إلى المنزل وأنهى بعض الأمور المعلقة بعمله، ثم قرر العودة وحده للميدان يوم الثلاثاء.
تحكي زوجته كيف أنها وهي تساعده على إعداد ملابسه واحتياجاته للاعتصام، شعرت بانقباض في صدرها، وشعرت بأنها لحظات وداع لا لقاء بعدها، فقد كان يراودها شعور شديد بأن زوجها سيموت شهيداً ولن يعود لها مرة أخرى.
خرج عطية يوم الثلاثاء من المنزل عصراً، ووصل إلى ميدان رابعة قبيل المغرب، ثم اتصل بزوجته الساعة التاسعة مساء وأوصاها بالأولاد، وأخبرها أنه سينزل البلد صباح الأربعاء للعمل ثم يعود.
لكن يوم الأربعاء بدا يوماً غير عادي، فحين اتصلت عليه زوجته صباحا لم يرد، فزاد انقباض صدرها، وحين فتحت التلفاز رأيت عمليات الفض قد بدأت، فعاودت محاولة الاتصال به مرة أخرى، وظلت تحاول حتى الساعة التاسعة ولا رد، فنزلت عند أهله، وقالت لهم عطية استشهد.
في هذا الوقت، وحسب رواية رفيقه في الميدان، استيقظوا صباحاً على أنباء بدء قوات الجيش والأمن عملية اقتحام الميدان لفضه، وكان من أيقظهم عطية، وقام بذلك وهو هادئ بشكل ملفت، رغم توتر الأجواء وورود أنباء بوقوع إصابات وشهداء، والناس تركض هنا وهناك في كل اتجاه.
في هذه اللحظات، كان التوجيه من إذاعة المنصة أن يتجه الجميع ناحيتها اتقاء من الاستهداف على مداخل الاعتصام، لكن عطية رفض واتجه ناحية أحد مداخل الميدان من ناحية “طيبة مول” وهو يقول بصوت مسموع، “أمال إحنا جايين هنا ليه؟”
يستأنف مصطفى رواية المشهد، حيث أصيب هو بطلقات خرطوش، وذهب للمستشفى الميداني لإخراجها، وحين عودته لخيمتهم لم يجد عطية، وأثناء محاولته الوصول إلى مكانه أو معرفة أخباره، وردهم اتصال يخبرهم بأنه أصيب برصاصات في رأسه من الخلف، خرجت من الأمام، ونال الشهادة.
ورغم المصاب والفاجعة، لم تترك زوجته المظاهرات التي خرجت في الأيام اللاحقة، فقد كانت مصرة على المضي على طريق زوجها، والسعي لأخذ حقه، وكانت تعتبر في كل مناسبة ومحفل، عن فخرها بزوجها، وتؤكد أنه فخر كذلك لأولادها الصغار الذين ستربيهم على نهج والدهم وتخبرهم كيف فدا والدهم بلده ومات بطلا من أجل الحق.
شيع أهالي قرية ميت العز بمحافظة الدقهلية شهيدهم عطية جاد الله يوم الخميس الموافق 15 أغسطس/آب، وسط هتافات ضد الحكم العسكري وتطالب بالقصاص العادل.
ظل عطية حاضرا في خاطر أصدقائه، يذكرونه بالدعاء، ومن ذلك قيام عدد منهم بزيارة قبره أول أيام رمضان في العام التالي لوفاته، فيما أدى آخرون العمرة واهبين أجرها له.