عصام الصاوي.. ضحية رصاصات الغدر بسموحة

كان بارا بأهله وأسرته، خدوما لأهل حيه وشارعه محبا لهم، سأل الله الشهادة بصدق فكتبها له، حينما استهدف برصاصات غادرة من قبل قوات الانقلاب خلال أحداث مسجد سموحة، المتزامنة مع جمعة الغضب الثانية.

عصام علي الصاوي (38 سنة) من أهالي الإسكندرية، ولد في 19 فبراير/شباط 1975، كان يعمل نجارا، ولديه من الأبناء 3، عبد الرحمن وعلي وياسمين.

في السادس عشر من أغسطس/آب 2013 وفي جمعة الغضب التي أعقبت مذبحة فض ميداني رابعة العدوية والنهضة بيومين، خرجت المسيرات الغاضبة في القاهرة والعديد من محافظات ومدن مصر، وشهدت سقوط العشرات من الضحايا برصاص قوات الشرطة والجيش ومنهم بطل قصتنا عصام الصاوي.

في أحداث مسجد سموحة الدامية التي سقط فيها نحو 40 شهيدا على يد ضباط الجيش، وعرفت كذلك بمذبحة الحي الراقي كان نصيب شهيدنا رصاصتان، إحداهما في الرأس والأخرى في الظهر، أطلقهما ضابط في الجيش المصري.

كان عصام حسب وصف والدته عطيات عبد الغني، رجلا ذا مروءة وإقدام وشجاعة، كما كان يخفي من عمله للخير الكثير، فلم تعرف أمه رغم قربها منه وقدرها لديه، أدواره الاجتماعية الحقيقية إلا بعد وفاته، من خلال شهادة الناس الذين كان يساعدهم ويقف بجوارهم.

ومن تلك الأدوار، قيامه بتوزيع الخبز بنفسه دون مقابل على كبار السن الذين لا يستطيعون النزول والوقوف طويلا في طوابير المخابز.

تتساءل الأم المكلومة كما حال جميع أمهات ضحايا أحداث الانقلاب العسكري، هل يا ترى ولدها وأشباهه ممن اعتادوا فعل الخير وأحبهم الناس وكانوا بارين بأهلهم وذويهم ومثالا يحتذى في ذلك، هل من المنطق وصمهم بالإرهاب وقتلهم بدم بارد كما حدث؟

في آخر لقاء جمعها (والدته) به، أخبرها أنه مريض، ومع ذلك كان مصرا على النزول والمشاركة في المظاهرات بعد فض رابعة، حاولت أن تثنيه وقالت له استرح اليوم فأنت مريض معذور، فكان رده أن مشاركته هي ما ستشعره بالتحسن، ووجوده مع الأحرار في الميدان سيساعده على ذلك.

كان بين الفينة والأخرى يتذكر صديقه أسامة الدسوقي الذي سبقه في ميدان الشهادة قبلها بيومين، ومات بين يديه خلال مشاركتهما في المظاهرات التي تزامنت مع فض رابعة والنهضة بالإسكندرية.

يقول صديقه إبراهيم، إن عصام شارك من أول يوم في ثورة 25 يناير 2011، كما اعتصم في ميدان سيدي جابر بالإسكندرية يوم 28 يناير عندما قرر الثوار ذلك، وتصدى للبلطجية التي اعتدت على المعتصمين ليلا، وأصيب في أحداث حصار مسجد القائد إبراهيم عندما حاول فك حصار المسجد.

أما شقيقه شريف فيؤكد إصابة عصام بالخرطوش في أحداث الحرس الجمهوري، ويحكي عنه أنه قال له في ذلك اليوم، رأيت الموت في كل مكان، وكان المتظاهرون يتساقطون من حولي لكن لم تكتب لي الشهادة.

بينما يستحضر له صديقه علي فهمي، نشاطه وإقدامه في فعل الخير، ويقول في هذا السياق، إن عصام، كان شعلة نشاط في كافة الأعمال الخيرية التي يقومون بها في الحي، من أسواق خيرية وقوافل طبية مجانية، وحملات التبرع بالدم، وكان يقول إذا لم نقوم نحن بخدمة البلد والناس فمن سيقوم بذلك.

إضافة إلى ذلك كله، كان عصام محبا للشهادة، كثير الحديث عنها، يستشعر الأسف بين الفينة والأخرى أنه لم يختر ضمن شهداء الأحداث التي يشارك فيها، ويؤنب نفسه ويتساءل، هل حرمانه منها لافتقاده الصدق في الطلب.

يقول نجله عبد الرحمن والذي استشهد والده وهو في العاشرة من عمره، إنه تعلم من والده “ان الراجل هو من يتواجد في الميدان” ولذلك بعد وفاة والده لم يتوقف عن النزول في المظاهرات، كما يصف علاقته بوالده بأنها كانت كعلاقة الأصدقاء، وفي يوم الاستشهاد، قال له قبل نزوله، من اليوم أنت رجل البيت، وأنت من سيقف في الورشة.

تحكي زوجته إيمان فتح الله الوفاة ملابسات يوم الاستشهاد، فتقول إن زوجها عصام بعد فض رابعة، شارك في المظاهرات التي خرجت تنديدا بما قامت به قوات الانقلاب العسكري، وفي يوم الجمعة (يوم الاستشهاد) كانت هناك دعوات للحشد الجماهيري لدفن الشهداء الذي قتلوا في رابعة وللتظاهر ضد ما حدث.

تؤكد الزوجة أن عصام كان في ذلك اليوم مريضا، وحاولت هي بدورها كذلك إثناءه عن النزول، شفقة عليه، لكنه رفض.

عند الساعة الثانية ظهرا، هاتفته فأخبرها أنهم صلوا الجمعة وشيعوا الجنازات وهم في طريقهم لصلاة العصر بمسجد علي بن أبي طالب بمنطقة سموحة، وحين سمعت الزوجة بأن المسيرة تم الاعتداء عليها من قبل قوات الجيش، عقب خروجهم من المسجد، حاولت الاتصال به للاطمئنان عليه لكنه لم يجب.

تابعت الزوجة المحاولة مرارا إلى أن رد عليها أحد أصدقائه ليخبرها بأنه مصاب وهم في طريقهم به إلى البيت، وبعدها بدأت ترى أصدقاءه يتوافدون أسفل المنزل وفي الشارع، فشعرت بأن هناك أمر ما حتى علمت باستشهاده، ووصل الجثمان ودخل الأولاد وهم يبكون وهي تردد “حسبنا الله ونعم الوكيل.. اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها”.

علمت الزوجة لاحقا بالكيفية التي قتل بها زوجها، حيث أنه عندما بدأ إطلاق النار على الخارجين من المسجد ذهب عصام إلى أحد ضباط الجيش الذين كانوا متواجدين في المكان وهو يقول له “احنا اخواتكم وعزل ليه بتقتلونا بدم بارد” فرد عليه الضابط بأنه سيأمرهم بالتوقف، وعندما استدار عصام أطلق عليه الضابط طلقة في الرأس وأخرى في الظهر.

كانت الرصاصة غادرة تنم عن حقد وحقارة لدى مطلقها، ما دفع الزوجة إلى التساؤل في استنكار وعدم تصديق، هل يعقل أن يكون هذا الضابط مصري؟

لم تنس الزوجة الوفية وصية زوجها المكررة التي كان يتعهدها بها عند كل مشاركة له في فعالية، حيث يقول لها إنه ربما لا يعود، ويوصيها بأولادهم وتربيتهم على الحق والخير والسير على درب الصلاح الذي ارتضاه لنفسه.

كانت جنازة عصام مهيبة كثيفة الحضور، حيث شارك فيها المئات من أهالي الإسكندرية، وأقيمت بمسجد النصر في منطقة الرمل وشيعوه إلى مثواه الأخير مرددين هتافات منها “يسقط يسقط حكم العسكر، الشهيد حبيب الله، يا شهيد نام وارتاح واحنا نكمل الكفاح، الشعب يريد اسقاط الانقلاب”، وسط حالة من الحزن والغضب.