عبد الله إبراهيم.. الفتى الخلوق

كان لتوه قد بلغ الحلم، ليبدأ مشاركة آلاف المصرين حلما مشتركا تشكل في الخامس والعشرين من يناير/كانون ثاني 2011، بوطن حر كريم يأبى أهله الظلم والضيم، إلا أن العسكر لم يدعوه وغيره يهنأ بتباشير تحقيق ذلك الحلم، ليكون أحد ضحايا فض اعتصام رابعة العدوية وهو بعد لم يكمل عقدين من عمره.

عبد الله أحمد السيد إبراهيم (19 عاما) ولد في قرية “الريعماية” التابعة لمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، وذلك في 18 يناير 1994، وكان طالبا بالفرقة الثانية في كلية التربية قسم طبيعة وكيمياء بجامعة الأزهر، وأمينا للجنتها الرياضية في اتحاد الطلبة.

كان والداه يعملان في قطاع التربية والتعليم، وله 4 أشقاء هم محمد، وآية، وإيمان، وبلال، وتوفي بطلق ناري في الكتف الأيمن بمجزرة فض اعتصام رابعة العدوية التي وقعت يوم الأربعاء 14 أغسطس/آب 2013.

عرف عبد بالأخلاق الحميدة والصفات الحسنة كغيره ممن اصطفاهم الله من الشهداء، فلا يكاد يعرفه أحد إلا ويذكره بالخير، فحسب شهادات متواترة، كان بارًّا بوالديه، سباقًا إلى الطاعات، مجتهدًا في دراسته، وأظهر جدية مبكرة، واهتمامًا بالشأن العام، وغيرة على الدين، ولذلك أحبه الجميع الصغير والكبير.

تصفه والدته فتقول “لا نزكي أنفسنا، ولا نزكي على الله أحدًا، ولكن الكل يعلم من هو عبد الله، وكيف أنه مثال في الأخلاق والإنسانية والأدب، تعلم في مدارس خاصة، ثم نقله أبوه إلى الأزهر ليتلقى علوم الدين، وكان قلبه معلقًا بالمساجد وهِمته عالية في النشاط التطوعي بالجمعيات الخيرية.

تتابع الأم المحبة فتقول “كان عبد الله مثالاً لكل ما هو جميل، ولذلك أحبه الجميع؛ ووالله إن الأطفال ليتذكرون عبد الله بالخير؛ فأنا مدرِّسة في التعليم الابتدائي، وبعض تلاميذي يعرفون ابني، وذات يوم قال لي أحدهم: والله يا معلمتي أفتقد عبد الله، أوحشني جدًا. فلم أستطع أن أتمالك نفسي من البكاء”.

أما شقيقه محمد، فيقول إنهم قد تربوا في أجواء من الحب، والتسامح، وخدمة الناس، وفعل الخير، والحرص على الوطن، وكانت أخلاق أخي الشهيد دليلاً على هذه التربية الصالحة.

فيما خنقت العبرات صوت والده رغم خروجها بنبرة هادئة، وهو يحكي ويقول “كنا مقتنعين كأسرة باعتصام عبد الله في الميدان، كيف لا وقد شاركنا في كل الفعاليات الرافضة لنظام مبارك بدءًا من تظاهرات ثورة يناير وحتى اعتصام رابعة، وإلى الآن نكمل طريق الثورة، فهي طريق العدالة الاجتماعية والحرية”.

يتابع الوالد حكايته تفاصيل رحيل ولده، فيقول “عندما علمت أن هناك فضًا لاعتصام رابعة العدوية اتصلت بعبدالله الساعة السابعة صباحًا، فلم يرد عليه، وكان وقتها في طريقه إلى عمله، فظن الوالد أن هاتف ابنه قد وقع منه، أو أنه أُصيب”.

ويتابع “دار برأسي الكثير من الاحتمالات الأخرى، ونتيجة القلق الذي كان يساورني، تابعت الاتصال حتى الساعة الثامنة؛ وعندئذ رد على الهاتف شخص ما، وقال له: إن صاحب هذا الهاتف لا أعلم عنه شيئًا، ربما أُصيب أو استشهد. الله أعلم”.

يمضي الوالد في سرد القصة قائلا “عندما علمت بعد الظهر أن عبد الله اُستشهد، أخذت السيارة ومعي شقيقه وابن خاله، وذهبنا مسرعين إلى رابعة العدوية، وصلنا وقت صلاة العصر، وحاولنا الدخول، ولكن كان ذلك غير ممكن، فأشار علينا أحدهم بالذهاب إلى مستشفى التأمين”.

ويتابع “دخلنا بأعجوبة وبحثنا عنه في الجثث التي كانت موجودة فلم نجده، وقيل لنا إن هناك جثثًا نُقلت إلى مشرحة زينهم، وقد كان الطريق صعبًا جدًا، والبلطجية ينتشرون في الشوارع يضربون أي شخص يشتبهون أنه كان في رابعة”.

يؤكد الوالد أن عملية البحث كانت صعبة جدًا، ولم يتوصلوا إليه في تلك الليلة، حتى اتصل به ابن أخيه، وقال له لقد وجدت عبد الله في مسجد الإيمان، فعلى الفور وصلوا إلى المسجد حوالي الساعة السادسة والنصف صباحًا، يوم الخميس؛ ثاني أيام الفض.

عندما دخلوا إلى المسجد رأوا جثمان عبد الله محترقا، لا مَعالم له، وقد قام بعض الناس بتكفين الجثث ليلاً، ونقلها إلى المسجد، ووضعوا أوراق الشهداء في ملابسهم بعد أن كتبوا بياناتهم على الأكفان.

تحكي والدته فتقول إنها قبل أن تعرف خبر استشهاده، كنت جالسة تتابع القنوات الإخبارية، وترى الجثث، فوجدت نفسها تقول لأشقاء عبد الله الصغار “انظروا إلى هذه الجثث لعلكم ترون جثة أخيكم بينهم” لقد أحست بقلب الأم أن ابنها سيموت شهيدًا، وينال أمنيته التي كم أسرَّ لها بها.

وعندما حدث ذلك، وعلمت بالنبأ، ألهمها الله الثبات، إلا أنه وبعد أن علمت بإحراق جثامين عدد من الضحايا ومنهم ابنها سقطت مغشيًا عليَّها، وتقول “لمَّا أفقت ظللت أحتسب على الظالمين، وتتساءل: كيف يفعلون ذلك في هؤلاء الأبرياء السلميين”.

وتمضي في حديثها “لم تتخيل أبدًا أن يفعل الجيش تلك الفعلة الدنيئة، التي كان عبد الله أول من استبعدها وقال لها عندما صارحته بمخاوفها من غدر الجيش بالمعتصمين “اطمئني يا أمي؛ فجيشنا ليس مثل جيش النظام في سوريا”.