لم يكن صبري أمين (29 عامًا) سائق السيارة الخاصة (التاكسي) وصاحب الثقافة المحدودة مُنتميًا إلى أي حزب سياسي أو جماعة دينية بخاصة الإخوان المسلمين، لكنه كان يَغير على دينه ثم وطنه.
وتروي أخته التوأم إيمان بحلقة من برنامج أحياء فى الذاكرة مع أسرة صبري امين شهيد احداث القائد ابراهيم 26 7 في 29 من نوفمبر/تشرين الأول 2013 أنه دخل عليها وهي نائمة ذات ليلة في منزلهم بالإسكندرية قائلًا: “أنت مرتاحة هنا والناس تُقتلُ وهي تصلي، وتُحاصر المساجد؟”، فأجابته قائلة: “إنني مُتعبةٌ ونويتُ السفر لأداء العُمرة؛ فماذا يمكنني أن أفعل أكثر من ذلك؟”، فأضاف: “نريد صحوة إسلامية تحمي المُصلين والمساجد”.
عقب مذبحة الحرس الجمهوري الثانية التي اغتالتْ فيها قوات من الشرطة والجيش المُصلين في صلاة الفجر 8 من يوليو/تموز 2013، ما أودى بحياة أكثر من خمسين شخصاً، بالإضافة لمئات المصابين والمعتقلين؛ عقبها أدرك صبري أن عليه دورًا في محاولة عودة بلاده للأمن، بعيدًا عن اعتقال وقتل الثوار وبينهم النساء؛ وكان هذا التحول كما يؤكد أخوه محمد بلغ مداه قبل استشهاده بيوم واحد فحسب.
في يوم الخميس 25 من يوليو/تموز 2013م السابق لمقتله ذهب صبري لشقيقه الكبير محمد وقت السحور قائلًا له إنه حجز الأثاث الخاص بشقته تمهيدًا لخطبته بعد أيام قليلة، بارك له شقيقه، فأكد الشهيد أنه لن يستخدم الأثاث؛ فداعبه شقيقه قائلًا: “فلماذا حجزته إذًا طالما لن تستخدمه؟”، فأدهشه شقيقه بإجابته: “كما أنني لن أتزوج .. ما رأيك في أن ننزل (نسافر) لميدان رابعة العدوية”، أسرع شقيقه ينهاه عن الذهاب للمشاركة في اعتصام الإخوان والقوى الثورية المؤازرة للثورة اعتراضًا على عزل الجيش للرئيس الراحل محمد مرسي.
لكن في اليوم التالي (الجمعة 26 من يوليو/تموز)، وعقب التفويض الذي طلبه الفريق أول وزير الدفاع (آنذاك) عبد الفتاح السيسي لمحاربة ما أسماه الإرهاب المُحتمل، وخروج آلاف من المصريين مُلبين وموافقين على قتل مصريين آخرين، انتفضت الإسكندرية من بعد الظهر حتى وقت متأخر من صباح السبت، وذلك في منطقة مسجد القائد إبراهيم ووسط المدينة ومحطة الرمل، حيث انطلق عدد كبير من البلطجية مدعُومين من قوات الشرطة والجيش؛ فحاصروا مُحيط المسجد مُستخدمين الرصاص الحي والخرطوش والغاز المسيل للدموع حتى استشهد عدد كبير من الرجال والنساء ومنهم صبري، بحسب تقرير بالفيديو.. توثيق مجزرة مسجد القائد إبراهيم.. وعامين من الدم ـ إخوان أونلاين 26 في من يوليو/تموز 2015م.
كان صبري الابن الأخير لأسرة تتكون من 8 ثمانية ذكور وخمس إناث، فيما تُوفى والده ولديه ثلاث سنوات، وتوفيت والدته ولديه ثماني سنوات فرباه إخوته الكبار.
ذهب الشهيد وشقيقاه: محمد ومجدي إلى ميدان مسجد القائد إبراهيم نهارًا، وعندما علم شقيقه مجدي من نجل شقيقته بوجوده (صبري) في الميدان قال على الفور: “جاء ليموت هنا اليوم”، وبعد ساعات طلب مجدي منه مغادرة الميدان والعودة معًا بعد الإفطار، فرفض صبري بإصرار قائلًا: “لن أترك الحريم بمفردهن”، وعقب انتهائه من الإفطار بدقيقة طلب صبري شقيقه محمدًا هاتفيًا فانقطعت المكالمة، فعاود الأخير الاتصال مرة وأخرى حتى رد صبري ناطقًا بالشهادة.
أكمل مجدي الشقيق الأكبر للشهيد القصة مؤكدًا أن صبري كان خارج مسجد القائد إبراهيم لما هجم البلطجية على النساء بداخله، فصرخ رافضًا الاعتداء عليهم مُسارعًا لإنقاذهن.
وقبل أن يدخل المسجد أصابته رصاصة في صدره بالإضافة إلى خرطوش برأسه، وأفاق ليجد نفسه بداخل المسجد، فيما هرول مجدي إليه بعد الإفطار فور علمه بالخبر، فهاله مشهد الميدان المحيط المكان من تكسير لبلاط الأرصفة، وانتشار قطع الحجارة الصغيرة والكبيرة فيه.
ووجد مجدي شقيقه وقد عُلقتْ له محاليل ويقوم طبيب بمحاولة إنعاش صدره حتى استطاع أن يتنفس مُجددًا، فسأله عن الذي فعل به ذلك، فأجابه الشهيد بأنهم البلطجية، فسأله مُجددًا: “هل كُنْتِ تريد ما أنت عليه الآن”، فأجابه صبري: “نعم”، فطالبه شقيقه بالثبات؛ إلا أنه فوجيء به ينطق بالشهادتين مُشيرًا بأصبعه السبابة لأعلى في وجه شقيقه ويلفظ أنفاسه.
ذهب مجدي لأحد المُستشفيات الحكومية لكن أطباؤه أكدوا له وفاته، فأسرع شقيقه الآخر محمد لقسم العطارين لفتح محضر تمهيدًا لاستخراج تصريح بالوفاة؛ فاشترط عليه أمين الشرطة اتهام الإخوان فلما لم يقبل، رفض الشرطي فتح محضر له، وبالتالي حصل على تصريح بالوفاة جاء فيه أن سببها “قيد البحث”.