صبري أبو الغيط.. المحبوب حتى من الخصوم

حاز تقدير الجميع لعلاقته الوطيدة بكتاب الله وعلومه، حتى من قبل فئات عرفت بتأييدها ودعمها لنظام الانقلاب الذي وقف بطل قصتنا ضمن الكثيرين أمام فساده، ونال محبة واسعة ومكانة خاصة؛ لأدبه وعلمه وحرصه على نفع الآخرين.

صبري أبو الغيط المهدي سيد أحمد (38 عاما)، من قرية نجير، التابعة لمركز دكرنس، بمحافظة الدقهلية ولد عام 1975، وتعلم بالأزهر الشريف ابتداء من المرحلة الإعدادية، وحتى حصوله على البكالوريوس من كلية الدعوة الإسلامية، وكان متزوجا ولديه 5 من الأبناء.

تلقى الشيخ صبري العلم الشرعي على يد كبار علماء الأزهر عبر الدراسة النظامية وكذلك خارج إطارها لحرصه الشديد على طلب العلم، وتتلمذ في هذا المسار على يد البارزين من علماء الأزهر ممن لم تتح له الدراسة النظامية أن يجلس إليهم في مدرجات الجامعة، إضافة إلى غيرهم من العلماء ممن برزوا على الساحة كرموز للمدارس الإسلامية المختلفة.

حرص منذ صغره على حفظ كتاب الله، وأتم حفظه في سن مبكرة، ووثق علاقته بالقرآن عبر تعلم القراءات العشر، فأخذ إجازة القراء فيها، كما عرف بأدبه وخلقه الرفيع وعلمه الغزير، وكان خطيباً مفوهاً حيث عمل إماماً وخطيباً بمسجد الهدى الإسلامي في مدينة نصر بالقاهرة، وكان محبوباً بين أهل منطقته، حتى من الضباط الذين كانت منطقته مليئة بهم.

بدأت كذلك علاقته بالخطابة في وقت مبكر، حيث كان شغوفا بها وهو في مراحل تعليمه، ولتميزه فيها تولى الخطابة بمسجد السلاب وهو لا يزال طالبا، وكان أحد المساجد الكبير في مدينة نصر، واستمر فيه فترة بعد تخرجه لتمسك جمهور المسجد به وتأثرهم بأسلوبه وشغفهم بطريقته، كما كان حريصا على تعليم الشباب والكبار كتابة الله وربطهم به.

ومن صلته بكتاب الله، تكونت للشيخ صبري صلات مختلفة بعلماء الإقراء ورموزهم، ومنهم شيخ عموم المقارئ المصرية، الشيخ أحمد عيسى المعصراوي، وكان مشرفا على مركزه لتحفيظ القرآن الكريم بالقراءات العشر في مسجده، وتخرج من تحت يده دفعات عديدة حفظة كتاب الله بالقراءات العشر.

كان الشيخ صبري يؤم الناس في صلاة التراويح والتهجد بمسجده، وفي آخر رمضان والذي كان يقضي جزءا منه في اعتصام رابعة العدوية، وختم القرآن مرتين في صلاة التهجد، واعتكف في العشر الأواخر وكتب وصيته.

كان على صلة وثيقة بالشيخ الشهيد عماد عفت، وكان مصاحبا له يوم استشهاده في أحداث ثورة 25 يناير، وترك فراقه فيه أثرا كبيرا، ومن حينها وهو يسأل الله الشهادة، حتى جاء اعتصام رابعة فشارك فيه حتى يوم فضه ليصاب برصاصة اخترقت صدره وخرجت من ظهره، فمات على إثرها.

وعن مكانته وقدره لدى من عرفه واحتك به، يحكي أحد رواد مسجده، عن الحي الذي كان يسكنه فيه وهو حي زهراء مدينة نصر، الذي بناه الجيش، ويقطنه آلاف الضباط مع أسرهم، وكيف أن الشيخ صبري كان يحظى بقبول ومحبة واسعة منهم، وكانوا حريصين على حضور خطبة الجمعة التي يلقيها، كما كان يحفظ أولادهم القرآن.

تقول حبيبة (14 عاما) وهي واحدة ممن تتلمذوا على يده في صغرها، إنها حفظت جزء عم في الرابعة من عمرها، فزارها الشيخ في بيتها ليختبرها، ثم كتب لها شهادة تقدير تحتفظ بها إلى الآن، وتتذكر أنها كانت تذهب إلى بيته في مدينة نصر، وتلعب مع بنته وولده في ذلك العمر، وتتذكر كم كانت فرحته عندما علم أنها حفظت كتاب الله وهي في العاشرة من عمرها.

بينما يستذكر عمر عبد اللطيف، صلاته خلفه وأثرها فيه، ولقاءه به خلال إحدى فعاليات الثورة بميدان التحرير، والتقاءه به ليلة فض الاعتصام، حيث كان داخلا إلى الميدان، ثم مشاهدته له صباح يوم الفض وهو يقف وسطه، ويهتف “الله أكبر لا حول ولا قوة إلا بالله.. حسبنا الله ونعم الوكيل”.

بينما يقول آخر، إنه ما علم الشيخ صبري إلا سباقا لرضوان الله، متواضعا محبا لله ورسوله، مدركا لواقع أمته، وأحوال وطنه، داعما للحق وأصحابه، لا غضاضة عنده في المشاركة بالمظاهرات السلمية، واستمر على ذلك حتى لقي الله بعد أن قتل في مذبحة فض ميدان رابعة برصاصة في صدره نفذت من ظهره، وارتقى إلى الله شهيداً.

فيما يعتبر إسلام بخيت، أن الشيخ صبري من أعظم الشخصيات التي رآها وعرفها على مدار حياته، وكان بالنسبة له في مقام الوالد أو الأخ الكبر، ولذا كان وقع مقتله عليه شديدا، فحين سمع الخبر، شعر وكأن الدنيا أظلمت في وجهه، وتملكه الحزن والغضب، حتى رآه وقد علت الابتسامة وجهه وهو في الكفن.

نعاه الشيخ أحمد المعصراوي، فقال “بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره ينعى فضيلة الأستاذ الدكتور احمد المعصراوي وجميع العاملين بمراكز الدكتور المعصراوي فضيلة الشيخ صبري أبو الغيط إمام مسجد الهدي الإسلامي (مركز الدكتور المعصراوي بمكرم عبيد) والذي استشهد في أحداث رابعة العدوية.

حصل الشيخ صبري قبل وفاته بأيام على إجازة بالقراءات العشر الصغرى من الشيخ محمد فؤاد، في حفل حضره الشيخ المعصراوي، كما كان مجيزاً في مركز د المعصراوي فرع الهدي الإسلامي، وشارك مع زملائه المدرسين في حصول فرع الهدي على المركز الأول في اللجان الختامية.