آخر ضحايا مجزرة المنصورة، المعروفة بأحداث الترعة، والتي راح ضحيتها 5 سيدات في العاشر من رمضان الموافق للتاسع من يوليو/ تموز 2019، بعد قرابة 3 أشهر من المعاناة بسب إصابتها خلال مسيرة والتي فاقمت مرضا تعالج منه ليأتي الأجل في 12 أكتوبر/تشرين أول 2013.
سهام الجمل (48 سنة)، إحدى رائدات العمل الإسلامي والخيري بمحافظة الدقهلية، كما أنها كانت نائبة في برلمان الثورة والذي تم انتخابه عقب ثورة 25 يناير 2011، إضافة إلى حضور مؤثر في العمل السياسي والحزبي.
اسمها سهام عبد اللطيف اليماني الجمل، من مواليد قرية أويش الحجر، التابعة لمدينة المنصورة في محافظة الدقهلية، وزوجة عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، محمد عبد الرحمن المرسي، المعتقل بسجون النظام المصري منذ فبراير/شباط 2017.
كانت الجمل تعالج من إصابتها بانسداد في القناة المرارية، وخلال مشاركتها في مظاهرة ضد الانقلاب العسكري في مدينة المنصورة، تلقت رصاصة حية، والتي أدت إلى إصابتها بخلل في أجهزة الكبد والمعدة، ما تسبًّب في تليُّف كبير بهما، حتى وافتها المنية متأثرة بذلك.
عقب صلاة التراويح في يوم الجمعة 19 يوليو 2013، الموافق ليوم العاشر من رمضان، أصرت البرلمانية سهام الجمل على المشاركة في مسيرة حاشدة من أبناء محافظة الدقهلية الرافضين للانقلاب العسكري، رغم مرضها، والتي انطلقت من أمام استاد المنصورة الرياضي لتجوب بعض شوارع المنصورة.
وحسب شهود عيان، بدأ الهجوم على المسيرة من عدد من “البلطجية” ومعهم أسلحة نارية وبيضاء، بشارع الترعة، وتعمدوا استهداف الجزء الذي فيه النساء والأطفال، ما اضطر المشاركين للركض ناحية الشوارع الجانبية المؤدية، والتي كان بها مسلحون كامنون فيها وانهالوا على المتظاهرين بالرصاص الحي والخرطوش.
أصيب العشرات من المشاركين، وقتل مباشرة 3 سيدات، هن هالة أبو شعيشع وإسلام على عبد الغني وآمال متولي فرحات، فيما توفيت رابعة وهي فريال الزهيري، نتيجة إصابتها بعد أسبوع من الحادثة، كما قضت بطلة قصتنا سهام الجمل، بعد نحو 3 أشهر نتيجة مضاعفات لحقت بها بعد إصابتها في المظاهرات.
اتهم مشاركون ونشطاء حضروا التظاهرة، أحد رموز البلطجية في المدينة، واسمه السيد العيسوي بتزعم مجموعات البلطجية التي قتلت سيدات المنصورة، والذي عرف باستعراضاته بالسلاح ضد رافضي الانقلاب السلميين، إلا أن الله ابتلاه بالشلل عقب إصابته بالخطأ من قبل قوات الأمن، وظل طريح الفراش حتى وافته المنية بعدها بعامين ونصف.
كانت سهام، معروفة بحبها للعمل الميداني والعام، والاقتراب من الناس خاصة البسطاء منهم، ومعايشة همومهم ومشاكلهم، ومن ثم كان ذلك دافعها للترشح في برلمان 2010 والذي تم تزويره لصالح نواب الحزب الوطني، ثم في برلمان الثورة، ونجحت ضمن قائمة حزب الحرية والعدالة، وكانت المرأة الوحيدة الممثلة للدقهلية في المجلس.
وإضافة إلى اهتمامها بالشأن العام، كانت الجمل معنية بشكل أكبر بقضايا المرأة وتعليم وتدريب النساء والفتيا، واستطاعت بتفانيها أن تقدم مئات الخدمات العامة والشخصية لأبناء دائرتها ومحاسبة وزراء ومسئولين، والتعاون مع رؤساء ومسئولي المؤسسات لحل المشكلات.
كانت سهام الجمل، عضوا في الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة، كما أنها كانت عضوا في المكتب التنفيذي للحزب وأمينة للمرأة في محافظة الدقهلية، وبدأت نشاطها في العمل العام منذ كانت طالبة في الجامعة.
ولم يشغلها أداء دورها النيابي والخدمي عبر البرلمان عن جانب آخر من اهتماماتها، وهو العمل الخيري، بل حرصت من خلال وجودها في البرلمان على تذليل العقبات للجمعيات الأهلية والتطوعية ومساعدة الفقراء والأيتام، كما استمرت في نشاطها المباشر في هذا المسار.
إضافة إلى نشاطها السياسي، كانت سهام الجمل معلمة عاشقة للعلم والتعلم، حازت العديد من المؤهلات الأكاديمية والفنية المتخصصة، حيث حصلت على شهادتي ليسانس في التربية والآداب، وماجستير في التربية الإسلامية، إلى جانب شهادات دبلوم في مجالات التربية، والصحة النفسية، والترجمة، وإعداد الدعاة، وتدريب المدربين، والتجارة، ودورة في شهادة الأيزو.
ورغم كونها امرأة لم تعرف إلا بنشاطها السياسي والخيري المتميز، حتى بشهادة وسائل الإعلام المؤيدة للنظام القائم، إلا أن الجمل تعرضت هي وزوجها للتضيق ومداهمة منزلهم واعتقل زوجها أكثر من مرة، آخره بعد وفاتها حيث لا يزال معتقلا، لكنها عاشت صابرة محتسبة.
ورغم مرضها في الشهور الأخيرة، إلا أنها كانت حريصة على المشاركة في المظاهرات والفعاليات الرافضة للانقلاب العسكري، وتعرضت للإصابة بجرح قطعي في مذبحة المنصورة، وهي الإصابة التي كانت مضاعفاتها سببا في وفاتها.
يقول زوجها: “زوجتي كانت مريضة ومصابة بانسداد في القناة المرارية وتجرى أشعات للعلاج وأثناء مشاركتها في إحدى المظاهرات أصيبت بجرح قطعي أدى لحدوث مضاعفات على مدار الشهرين، حيث لم يلتأم الجرح، وتعذر إجراء أشعة نتيجة ذلك حتى لاقت ربها محتسبة”.
توفيت سهام الجمل فجر السبت 12 أكتوبر 2013، وشارك في جنازتها حشد كبير من أهالي محافظة الدقهلية، ونعتها حركات وأحزاب من دول أخرى، ووصفوها بالداعية المجاهدة، والمثال للمسلمة الناشطة التي حازت مكارم الأخلاق، واستحوذت على محبة الآخرين، وأفنت حياتها لخدمة الإسلام والوطن والناس.