سندس رضا محمد أبو بكر

أدتْ سندس رضا محمد أبوبكر الشهيرة بـ”سندس أبوبكر” امتحانات الفصل الدراسي الأول من الصف الأول الثانوي؛ ولم تكن تعرف أنها لن تُكمل العام الدراسي، بحسب تقرير شاهدات على إجرام السيسي وعصابته.

وُلِدتْ وعاشتْ في مدينة إدكو بمحافظة البحيرة في 14 من يونيو/حزيران 1999م، وتربتْ في بيئة مُلتزمة دينيًا؛ فمنذ الصغر وهي تحضر الدروس الدينية في المساجد، وتحفظ القرآن الكريم؛ حتى أنها اعتادتْ منذ الصف الخامس أن تجمع صبيات الحي الذي تُقيم فيه وتحفظهن آي الذكر الحكيم، بخاصة قصار السور مع الأحاديث النبوية الشريفة والأدعية، بالإضافة للمشاركة في تنظيف المسجد.

كانت سندس الابنة الوحيدة لوالديّها مع ابنين آخرين من الذكور، وتعلمتْ أن تدخر من مصروفها مع صديقاتها للإنفاق على الفقراء، وتروي إحداهن عن ذلك فتقول: “كُنَّا في معرض (خيري لبيع السلع للفقراء)، وكل إللي (شاركن بالبيع) فيه بنات من سن إعدادي للجامعة، وكل البنات (كانت) تترك مكانها التي تقف فيه وتذهب لتمرح وتتحدث مع (صديقاتها)؛ وكنت أقوم أنا بالأشراف العام عليهن، (لكني) أُقسم بالله (أن) سندس كانت مثالًا (بينهن) رغم صغر سنها، فكنت أنظر إليها (مُتعجبة)، (فقد) كانت هذه الطفلة قادرة علي التعامل مع النساء الكبيرات (السن)، وحتى إذا لم يكن هناك مُشتريات كانت لا تترك مكانها.. من (فرط) إخلاصها في العمل”.

حرصتْ على أداء صلاة الفجر في المسجد؛ وتروي رفيقة أخرى لها في الصلاة أنها كانت تطالب منها كثيرًا: “ادعي الله لي أن يرزقني الشهادة في سبيله”؛ كما كانت تقول لوالدتها: “ماما أنا نفسي أموت شهيدة وتطلعوا تزفوني وتقولوا في الجنة يا سندس” .

منذ ثورة 25 يناير اعتادت المشاركة وأسرتها في المظاهرات بميدان التحرير، رغم أن عمرها آنذاك لم يكن يتجاوز اثنتي عشرة سنة، وبعد التغيير السياسي في مصر منذ 3 يوليو 2013م، وعزل أول رئيس مُنتخب بصورة ديمقراطية صحيحة في تاريخ مصر؛ واستمرت في الذهاب خصيصًا إلى الإسكندرية للمشاركة في المظاهرات، وذات مرة أحاطت المدرعات بها، وصوب إليها أحد الجنود سلاحه ليخيفها؛ وبالفعل امتنعت سندس عن المشاركة في الفعاليات الثورية حتى قالت لها خالتها فاطمة (التي قتلت قبل سندس بثلاثة أشهر): “اقرأي عن كتائب القسام؛ فكلما زاد إيمانك بالله زال خوفك”.

شاركت سندس في اعتصام رابعة العدوية أيضًا، وكانت إحدى عضوات لجنة التفتيش والحماية الخاصة بالسيدات؛ بالإضافة لتوزيع وجبات الإفطار والسحور مستمرة في كتابة اللافتات ضد الحكم العسكري؛ أما آخر ما كتبته على صفحتها بالفيسبوك فكان: “ولنا في القدر أشياء جميلة (لم) نعرفها بعد، فعلى ضفاف الجنة سينسى كل ذي هم همه؛ اللهم شهادة .. وتبقى ماشي في الجنة؛ وفجأة تقابل الرسول، صلى الله عليه وسلم، .. معا حتى الجنة ليزول الألم ويبقى الأجر، وسأخبرهم أن الجنة نُثرتْ من عطرها في أرض اسمها رابعة”.

وفي فجر الجمعة 23 من يناير/كانون الثاني 2015م صلت سندس وطلبت من والدتها أن توافق على حضورها جميع الفعاليات الخاصة بالذكرى الرابعة للثورة خلال الثلاثة أيام المقبلة بالإسكندرية مُجددًا، وبعدما أكملت نومها وروت لوالدتها رؤيا فيها خيل كثيرة تضربها قوات من الجيش والشرطة؛ ليتم قطع أرجلها وتنزف دمًا كثيرًا؛ وفسرت الرؤيا بوفاتها في نفس اليوم.

عقب الصلاة في المسجد التابع للدولة في حي العصافرة طلب الإمام من الحاضرين صلاة الغائب على الملك الراحل حديثًا آنذاك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود؛ فرفضتْ سندس الصلاة قائلة لوالدتها: “لن أصلي علي رجل دعم الانقلاب”.

عند مشاركتهما في المظاهرة بدأ إطلاق الرصاص ونجت سندس وأمها وفي الفعالية الثانية التي شاركتا فيها في نفس اليوم انهال إطلاق الخرطوش على سندس، رغم احتماءها في سيارة، وكان دفعة الخرطوش التي نالتها في رأسها ورقبتها وظهرها كاملة، وبعد حين استطاع رجلان نقلها للمستشفى؛ وهناك لم تجد الوالدة كرسيًا لتدخل عليه سندس، وتمت معاملتها باستهتار؛ وبعد حين فشلت جهود الأطباء لإنقاذ سندس؛ وتمت مساومة السيدة على كتابة أن الإخوان المسلمين هم القتلة؛ فلما رفضت لم تعط تقرير الوفاة إلا بعد ظهر السبت وفيه تمت كتابة أن سبب الوفاة “قيد البحث”، بعد استخراج الخرطوش وتشريح جثمان سندس الذي يُدينُ الشرطة والجيش؛ بحسب إحدى التقارير.

رغم احتجازها لأكثر من يوم كامل في ثلاجة الموتى كان جسد سندس متعرقًا ينزف ما يزال على خشبة الغسل، وفي أجواء من الحزن الشديد شيع أهالي مدينة إدكو بالحيرة جثمان الشهيدة للمقابر في 24 من يناير/كانون الثاني مرددين الهتافات ضد الحكم العسكري بحسب خبر موقع قصة ثورة بعنوان سندس أبو بكر.. زهرة الثورة التي قطفتها بندقية العسكر.

كلمة لوالده سندس في يوم الأم 2016.