تمنى الشهادة، وكان أمله بالله أن يكون أول أبناء بلده نيلها، وفي ليلة أخبر صديقه بهذه الأمنية وهذا الأمل، ولم تمر 24 ساعة حتى نال ما تمناه، فحسبه صاحبه أن قد صدق الله فصدقه.
سعيد أحمد سعيد النجار (25 سنة)، من مواليد مركز بسيون، بمحافظة الغربية، ولد عام 1988، وكان يعمل مفتشا للصحة، وقتل في فض اعتصام رابعة العدوية يوم 14 من أغسطس 2013.
كانت حياة سعيد زاخرة على مختلف المستويات، فهو الاجتماعي الرياضي الناشط في العمل الخيري، وصاحب الفكر السياسي المهتم بأمر وطنه ومستقبله.
على الصعيد الاجتماعي، الأخ القريب من إخوته سواء الأكبر منهم أو الأصغر، فهو يحتويهم وهم يرون فيه الأخ محل الثقة والمشورة، وساعد في دعم شقيقاته الأكبر منه وفي زواجهم، كما أنه يصل رحمه ويودهم.
تقول أخت له غير شقيقة “ولدت يتيمة، لكن سعيد عوضني هذا اليتم بالرغم من صغر سنه وبالرغم من أنني أنا من ربيته، إلا أنه كان أبي وأخي وصديقي، وبوفاته عانيت اليتم مرة أخرى”.
كما كان صديقا مقربا من أصدقائه يسمع لهم ويفهم شكواهم، قال عنه صديقه الشهيد باسم المغربي، الذي شاركه الشهادة في فض رابعة بعد أن شاركه الاعتصام فيه: “سعيد صديقي الأمين الذي يفهمني وهو لا يتركني أبدا”.
كان سعيد حافظا لكتاب الله، هادئ الطبع خلوقا، شديد الحياء، يعدد شقيقه محمود مناقبه ومزاياه، ويصف حسن خلقه وسماته فيقول: “سعيد عمره في يوم ما طلع منه لفظ مشين، أو شرب في يوم سيجارة وكان حييا والحمد لله بشهادة جميع الناس فهو وصديقه الدكتور باسم المغربي كانا بمثابة ملائكة تمشي على الأرض”.
وفي سياق الاهتمام بالجانب الرياضي والصحي، فقد كان يتمثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف..” ومن ثم كان سعيد حريصاً على الرياضة والطعام الصحي، ويوصي أقرباءه بذلك.
كان سعيد محبا للعمل الخيري بشتى جوانبه، وكانت له فيه مشاركاته العامة، ونشاطه الخاص، وغرز له ذلك فسيل الحب في قلوب الفقراء والمحتاجين، بل وجميع من في دائرته، كونه كان لا يتأخر عن مساعدة أي محتاج، وفي أي سياق كان
وأظهر نشاطه الخيري ودأبه للعمل فيه، وكثرة تواصله من فئات مختلفة من المجتمع خاصة الفقيرة وصاحبة الحاجة فيه، تواضعه الجم وحسن عشرته وتقديره للآخرين.
كان طموحا لوطنه ولأمته، فكان يتمنى لسيناء العمران، وفي الوقت الذي كان يهرب فيه المكلفون بالعمل في سيناء من العمل فيها نظرا لقلة الخدمات وفقر المدنية، كان سعيد يسعى لأن يعمل هناك لخدمة أهل سيناء طبيا.
وعلى مستوى العمل العام، والهم للأمة والوطن، كان سعيد ذا طموح يعبر عنه بين الفينة والأخرى أن يعلي الله قدرهما، وينطلق في ذلك من دوافع دينية ووطنية.
قضية الأمة الأولى، كما يراها، هي تحرير المسجد الأقصى، وكانت تشغل جانبا كبيرا من فكره ونشاطه، وكان يعمل في هذا السياق على زرع قيمة المسجد الأقصى وحبه والسعي لتحريره في نفوس وأفئدة الأطفال، ويقول لهم “أنتم جيل التحرير”.
على مستوى الوطن، شارك سعيد في فعاليات الثورة منذ اندلاعها في 25 يناير 2011، واشتد عليه الأمر بعد الانقلاب العسكري، ومن حينها كان نادرا ما يفوت أي فعالية مناهضة له، وشارك في أيام اعتصام رابعة العدوية، حتى حاز الشهادة في مذبحة فضه.
لم ينحصر هم سعد لوطنه في المسارات الثورية والسياسية فقط، فقد كان يرغب بالسفر إلى سيناء للعمل فيها، لما يعمله من ضعف في الخدمات والإمكانيات وحاجتها لمختلف الكفاءات، ومن ثم أراد أن يساهم في المساعدة بعلمه وعمله.
كان يدرك أن الحرية واستخلاصها للأمة ثمنها كبير، وأنه لابد لها من تضحية بالغالي والثمين، وفي مقدمة ذلك التضحية بالنفس، نقل عنه صديقه محمد صلاح قوله، إن “الدول تقوم على اكتاف الشباب الذين يضحون بأرواحهم لوطنهم ودينهم.. لابد من التضحية بالدم لأجل حرية الوطن”.
بعد مقتل سعيد بفض رابعة العدوية، ذهب شقيقه محمود لإحضار جثته من مشرحة زينهم، وكما الحال مع جميع من قتلوا في هذه المذبحة، تعرض للضغط الذي تعرضوا له من قبل السلطات ليوافق على أن يكون السبب في تقرير الوفاة الانتحار، لكنه تمسك بموقفه حتى وثقوا السبب بأنه قتل برصاص الداخلية.
كانت جنازة سعيد مهيبة عظيمة، شارك فيها المئات من محبيه، وكما رافق صديقه الدكتور باسم المغربي في الدنيا، واجتمعا على ذات الهم والهدف فيها، لم يفترقا حين الوفاة، فكانت ساعتهما واحدة، ودفنا إلى جوار بعضهما.