رضا عبد الحميد الهجرسي

امتاز رضا عبد الحميد الهجرسي (47 عامًا) بالأخلاق والتدين وحب فعل الخير، ويُضيفَ جيرانه أنه كان مسارعًا في الخيرات ومساعدة الفقراء والأيتام، وكذلك المشاركة في الأعمال الخدمية والتطوعية ومنها تنظيم الأسواق الخيرية والقوافل الطبية؛ ومن ذلك تجديده الكفالة العلمية (التي اعتادت أن تقوم بها مؤسسات خيرية إسلامية) ولكن بصورة فردية، إذ كان الراحل يفتح بيته لطلبة العلم يأكلون ويشربون ويُدرسُ لهم، بخاصة الفقراء منهم.

كما روى أحد جيرانه أنه كان يذهب إلى بيوت الفقراء فيدق الباب عليهم حتى إذا اقتربوا هرب فيجدوا المساعدات ولا يعرفوا الذي جاء بها، ولذلك استشعر الجار أن العالم انتهى بوفاة الشهيد، بحسب تقرير عن الشهيد لقناة الجزيرة وحوار مع ابنته ضمن حلقة أحياء في الذاكرة لقاء مع أسرة محمد أحمد عارف.. رابعة العدوية في 13 من أغسطس/آب 2013م.

وُلِدَ الشهيد في قرية ميت ضافر بمدينة دكرنس في محافظة الدقهلية في 17 من نوفمبر/تشرين الثاني 1966م، وكان يعمل مدرسًا للفيزياء في معهد أزهري، كان متزوجًا ورُزِقَ بخمسة أبناء: إسراء، آلاء، روان، ريم، وعبد الرحمن.

عرف الشهيد طريقه للدعوة وهو في الجامعة، ثم سافر إلى المملكة العربية السعودية، فلم يعد إلا عام الثورة ليشارك في جميع فعاليتها، وبعد التغيير السياسي الذي حدث في مصر في 3 من يوليو/تموز 2013م وعزل الجيش لأول رئيس مُنتخب في تاريخ مصر بصورة صحيحة سافر الشهيد للتظاهر في ميدان رابعة العدوية بحي مدينة نصر (شرقي القاهرة)؛ وكانت نيته كما يقول أصدقاؤه طلب الشهادة بصدق.

استُشهِدَ في مذبحة رابعة العدوية في الأربعاء 14 من أغسطس/آب 2013م، وتروي نجلته روان (13 عامًا) أنها كانت بصحبته في الاعتصام؛ وأنه كلما سمع بوجود رصاص للداخلية والجيش في مكان من الاعتصام بادر بالإسراع إليه، حتى أنها قلقتْ عليه فاتصلت به يوم المذبحة، فقال لها: “لم يأتِ وقت الشهادة بعد”، وتواعدا فألتقيا عند المنصة، وهناك ذكرته بأن اليوم يوافق اليوم الذي وُلدتْ فيه وطالبته (على سبيل المزاح) بهدية؛ فوعدها ثم لقي الله بعد ذلك؛ فلما تفكرت بعدها في الهدية وجدتها وصلتها بالفعل، وذلك بكونها صارت نجلة لشهيد.

تضيف روان أن والدها كان صائمًا يومها على أمل أن يذهب لربه، وقبل آذان المغرب بنصف الساعة وجد مياهًا فقرر الوضوء، بعدها صار بمصحفه يُشاهد الشهداء، فرفع أصبع السبابة من يده اليمنى (علامة الدعاء على الظلمة) مُرددًا: حسبي الله، فجاءته الرصاصة من قناص في الجانب الأيمن من جسده، ليسقط أرضًا مُضيفًا: ونعم الوكيل ويلفظ أنفاسه.

كان الشهيد ترك نجلته عند مسجد رابعة، وكانت دائمة الدخول في إغماءات إثر استنشاقها الغاز المُسيل للدموع بكثرة، لكنه قرر الذهاب للدفاع عن المعتصمين، فلما تمسكتْ ابنته به قائلة: “متى وأين نلتقي؟”، قال لها عند باب المسجد: “سنلتقي (بإذن الله)، فإما أن تأتي إليَّ، أو آتي إليك”، وهو “يُعرَّضُ” بالكلمات قاصدًا اللقاء بها لكن في الآخرة.

وتضيف نجلته بأنه كان معتادًا على الذهاب إلى أماكن المُواجهات المباشرة من المنصة والحرس الجمهوري، لينقل المصابين ويحاول الدفاع عنهم، مُتعجبًا من عدم اختيار الله له ضمن المُتوفينَ؛ لكنه لم يكن يحب أن تراه نجلته وهو يلفظ أنفاسه، لذلك رفض اصطحابها معه.

اتصلتْ روان بوالدها بعد الهجوم على مسجد رابعة بالطيران حيث كانت النساء يحتمين، وعندما ذهبت لمسجد الإيمان أتصل بقريبة لها أحد أصدقاء والدها، ولم يُجبْ روان لما سألته عن الشهيد، مما جعل الابنة تشك، وتأكد شكها لما فهمت من كلام صديق آخر لوالدها أن جثمانه في مسجد الإيمان، وليُدفن في اليوم التالي بقريته.

قال عنه بعد استشهاده نجل شقيقته حبيب العشماوي: “رحمك الله يا خالي الحبيب.. كنت أخشانا لله وأتقانا له.. لم تخرج (للاعتصام برابعة) لمصلحة تُحصلها ولا لدنيا تطلبها.. وما أحسبك إلا خرجت في سبيل الله”.

وقال عنه صديقه اسلام منتصر: “رحمك الله أخي الحبيب، والله لإنك أحقنا بهذه المنزلة، وقد عملت لها وتمنيتها وصدقت الله فصدقك الله “.

فيما وصف شقيقه قائلًا: “أخي الحبيب يكبرني بست سنوات؛ تربينا في بيت واحد وأكلنا من إناء واحد ومضينا في رحاب فكر واحد تمنينا نفس الأمنيات، لكنه سبقني بها، (وقد كان) رحيمًا بشوشًا”، بحسب تقرير: “في القلب أنتم”.. الشهيد رضا عبد الحميد الهجرسى ـ إخوان الدقهلية ـ في 12 من أغسطس/آب 2017م.

فيديو بشعر عامي للشهيد عن ذهابه لرابعة بعنوان: أنا ماشي ومش راجع.