كان أحد فرسان أروقة البرلمان المصري وقاعاته المختلفة، تشهد جنباته بصولات وجولات كان فيها صوتا للحق والحرية، مطالبا بحقوق من اختاروه نائبا لهم، سواء في دورتي 2000 و2005 خلال عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، أو تلك التي تلت الثورة وتم حل برلمانها بعد الانقلاب العسكري.
وكان نشاطه البرلماني باكورة حياة سياسة حافلة بالعمل العام، ما بين المشاركة في الحراك المناهض لنظام مبارك والمطالب برحيله، كما تعرض لمرات اعتقال مختلفة تحت وطأة قانون الطوارئ دون ذريعة قانونية أو دليل اتهام واضح، ولكن في سياق النكاية السياسية ضد بطل قصتنا الذي انتهت حياته بالإهمال الطبي داخل محبسه.
حمدي حسن علي إبراهيم (65 عاما) ولد في 12 أغسطس/آب 1956 بمحافظة الإسكندرية، وحاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من كليةِ الطب جامعة الإسكندرية عام 1981، كما حاصل على دبلوم الأنف والأذن والحنجرة عام 1993 من كلية طب المنصورة.
وافاه الأجل في 25 من نوفمبر/تشرين ثاني 2021، نتيجة الإهمال الطبي المتعمد، إثر تدهور حالته الصحية وهو في محبسه بسجن العقرب في القاهرة، وهو الأمر الذي عده حقوقيون ضمن عمليات التصفية الجسدية الغير مباشرة التي يتعرض لها سياسيون وبرلمانيون في مصر خلال مرحلة ما بعد الانقلاب.
شغل حمدي حسن عضوية مجلس الشعب في الدورة البرلمانية 2000 عن دائرة مينا البصل بالإسكندرية وكان أمين الإعلام بالكتلة البرلمانية لجماعة الإخوان المسلمين في البرلمان، كما كان المتحدث باسمها خلال دورة 2005-2010.
كانت له مشاركات مبكرة في العمل العام والسياسي، منها عضوية المجلس المحلي لحي غرب الإسكندرية دورة 1992 – 1996، كما كانا عضو في الرابطة الدولية للبرلمانين المدافعين عن القضية الفلسطينية ومقرها بيروت، وعضو لجنة التنسيق بين النقابات المهنية، وعضو اتحاد الأطباء العرب، ومقرر لجنة العمل الوطني بنقابة الأطباء.
لم يكن نشاط النائب حمدي حسن، منصبا على أدائه تحت قبة البرلمان فقط، بل كان مختلطا بأبناء دائرته في الشارع، كما شارك في المظاهرات انتصارا لحقوق الشعب المصري، ومن ذلك مظاهرات دعم استقلال القضاة في 18 مايو 2006، حيث كان من أبرز المشاركين فيها وظل مرابطا على موقفه رغم اعتداءات الشرطة على المظاهرات في ذلك اليوم.
في 25 مارس 2007، حدث رفض عارم للتعديلات الدستورية التي مررها نظام مبارك، بغرض التوريث والتمكين للحزب الوطني “المنحل”، وبينما كانت قوات الأمن تقمع المتظاهرين، كان حمدي حسن وسائر نواب المعارضة، يرفضون هذه التعديلات، ووصفوها بأنها انقلاب دستوري.
كما قاطع عدد من نواب المعارضة جلسات مناقشة التعديلات في مجلس الشعب قبل إقرارها، وقال حمدي حسن إن “الأجواء التي تجرى فيها التعديلات غير مشجعة أصلا، من ناحية قانون الطوارئ واعتقال الطلاب وإحالة البعض إلى المحاكمات العسكرية”.
كان له العديد من المواقف الداعمة للقضايا الوطنية داخليا وخارجيا، ومنها قيامه برفع لافتة قام بلصقها على حقيبته وكتب عليها ” لا لتصدير الغاز ولا لحصار غزة” أثناء إلقاء أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق لبيانه أمام المجلس الشعب في 15 ديسمبر/كانون أول 2008، فقام رئيس مجلس الشعب حينها أحمد فتحي سرور بمطالبة الأمن بإزالتها، مهددا النائب حمدي حسن بالإحالة للجنة القيم.
ومع انطلاق ثورة 25 يناير 2011، كان حمدي حسن ضمن طليعة المشاركين في الثورة، ونزل إلى المظاهرات في ميادين الإسكندرية مطالبا بسقوط نظام مبارك، والتمكين للحرية والشعب.
وبعد وقوع الانقلاب العسكري، استهدف قادة الانقلاب رموز نظام الرئيس محمد مرسي وقيادات حزب الحرية والعدالة ونوابه، فاعتقل حمدي حسن من منزله في 19 أغسطس 2013، وحكم عليه بالسجن المشدد 15 عاما في سبتمبر 2019، لكن محكمة النقض برأته في يوليو 2021، غير أن السلطات لم تفرج عنه بعد أن أدرج اسمه في عدد من القضايا الأخرى.
وأكد مدير مركز الشهاب لحقوق الانسان خلف بيومي، أن الدكتور حمدي كان من المفترض أن يطلق سراحه بعد تبرئته من التهم الموجه إليه، لكن النظام الذي يستخدم سياسة التعنت ضد معارضيه رفض ذلك، كما رفض أن يلتقي بمحاميه طوال فترة اعتقاله.
ووصف نجله براء الذي غادر مصر قسرا بعد اعتقال والده خشية استهدافه من قبل سلطات الانقلاب العسكري، الظروف التي كان تعرض لها والده خلال احتجازه في سجن العقرب بالمهينة والمميتة، حيث كان في حبس انفرادي دائم بزنزانة ضيقة لا يوجد فيها تهويه، كما منعوا عنه دخول الأغطية والملابس الشتوية والأدوية عنه، هذا بخلاف المنع من الزيارة والذي استمر 5 سنوات.
تأثر براء بفقد والده كثيرا، وكان يتمنى أن يبلغه آخر التطورات التي حدثت في حياة أبنائه، فخلال تلك الفترة، تزوج وأنجب طفلة، لم يكتب لها أن ترى جدها، بل ربما لا يعلم جدها أن له حفيدة، الأمر الذي ينطبق على أخوته البنات، فقد تزوجن وأنجبن أيضا ولا يعلم أبوهم عنهم أي شيء في ظل منع الزيارة.
استمر التعنت بحق حمدي حسن حتى بعد وفاته، فحسب أحمد حسين ابن شقيقه وزوج ابنته، فقد دفن حمدي حسن بعدما سمحت السلطات لـ 10 أفراد فقط من عائلته بحضور الجنازة والدفن، واشترطت أن تكون في منتصف الليل، ولا يخبروا أحدا بذلك، في ظل تواجد أمني مكثف.