حسن مأمون.. صفوة شباب الصف

آمال التغيير تبددت لدى قطاع واسع من الشباب الذي كان يحلم به، مع الإعلان عن الانقلاب العسكري بمصر، إلا أنه أشعل لدى قطاع منهم جذوة الغضب، ودفعهم لحراك واسع قابلته سلطات الانقلاب بالنار التي أخذت حياة المئات منهم في محطات مختلفة، ومنهم بطل قصتنا.

حسن حفني مأمون (21 عاما) من مواليد عام 1992 بقرية الشوبك الشرقي التابعة لمركز الصف في محافظة الجيزة، وهو من أسرة مكونة من 5 أفراد، والدين و2 من الأشقاء “مي” و”عبد الغفار”، وكان حديث التخرج من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة.

كان حسن كغيره من شريحة واسعة من أبناء جيله الذين رادوهم حلم التغيير ووجدوا في ثورة الخامس والعشرين من 2011 ما يبث فيهم أملا قويا في تحقيق هذا الحلم والوصول إلى الغاية المنشودة بأن ينصلح حال وطنهم وتعود الحقوق إلى أهلها.

إلا أن ما حدث في الثلاثين من يونيو/حزيران 2013 ثم ما لحق ذلك من قرارات للجيش في الثالث من يوليو/حزيران، أصاب هذا الأمل في مقتل، لكن حسن وغيره الآلاف من الشباب لم يستسلموا لهذه العقبة وأصروا على المطالبة بعودة الحق لأهله.

عرف حسن بخلقه الرفيع العالي وسمته الحسن وحبه للحق وأهله، وكان من حفظة كتاب الله محافظا على الصلوات في وقتها، محبا لفعل الخير ونصرة المظلومين، لا يدع موطنا من مواطن الجهر بالحق ونصرة أهله إلا كان حاضرا فيه.

شارك حسن في فعاليات ثورة يناير وما لحقها من محطات ثورية، وأصيب في أحداث الاتحادية بالخرطوش، كما انضم سريعا لرافضي الانقلاب العسكري عقب وقوعه، وكان من أوائل من سالت دماؤهم كأثر من آثار هذا الانقلاب الدموي، حيث لم يمهله الأجل سوى يومين بعد إعلان الانقلاب.

يحكي صديقه وجاره أبو بكر عمر، عن مآثره وسماته، ويستذكر مواظبته التامة للصلاة في المسجد، فلا يكاد يفوته فرض جماعة، كما كان محافظا على تلاوة كتاب الله، معروف في محيطه وحيه بالتزامه وأخلاقه العالية، يحبه الجميع.

بينما يقول قريبه “سيد طه”، إن حسن كان “طيب الخلق”، “محبا للحق يسعى لنصرته، ويعمل على مقاومة الظلم، ويهتم بجميع قضايا الناس في بلده، كما كان مهموما بقضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ويعبر عن حلمه بالمشاركة في تحرير المسجد الأقصى.

شغلته كذلك الثورة السورية، وكان مهموما بما يحدث لأشقائه السوريين، دائم الانشغال بما يلاقونه من أهوال على يد سفاح بلادهم، حتى دفعه الأمر للتفكير جديا في أن يسافر، وبدأ في اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك من إصدار جواز سفر والعمل على الترتيبات اللازمة.

ملابسات مقتل حسن، يحكيها والده الحاج حفني، والذي كان مرافقا له في ميدان النهضة، حيث قررت إدارة الاعتصام حينها تسيير مسيرة من المشاركين في الاعتصام تتجه ناحية مبنى التلفزيون المصري (ماسبيرو)، لدحض أكاذيب الإعلام المحلي الذي كان ينفي وجود أعداد كبيرة في الاعتصام.

ويوم الجمعة، الخامس من يوليو/تموز 2013، خرجت المسيرة التي كانت تقدر بالآلاف حينها، في اتجاه مبنى التليفزيون، وكان حسن في صفوفها الأولى، وبطبيعة الحال، أغضبت نظام العسكر الذي حرض عليها فئات البلطجية، وسمح لهم باستخدام مختلف الأسلحة في مواجهتها.

ورغم الأعداد الكبيرة المشاركة في المسيرة، إلا أنه ولإصرار القائمين عليها انتهاج السلمية، ومحاولة الصد من خلال الرد بإلقاء ما يصلهم من حجارة يلقيها البلطجية، سقط العشرات من المصابين فضلا عن سقوط قتلى كان من بينهم حسن.

يقول والده، كنت في الميدان ولم أخرج مع المسيرة، وعند صلاة الظهر جاءني اتصال بأن ابني حسن أصيب وتم نقله إلى مستشفى معهد ناصر، وحين كنت في الطريق، قلت لمن معي إن حسن استشهد، فتساءل عن مصدر معلوماتي، فأخبرته بأن إحساس لم أشعره بوقت سابق، يسوقني إلى هذا الاستنتاج.

كان ثمرة هذا الشعور، ثبات من الله للأب المحب، فبعد وصوله وجد أصدقاءه لم يستوعبوا الصدمة بعد، وقد تملكهم الحزن عليه، وحاول بعضهم المبادرة لتصبيره، فوجئوا به ثابتا صابرا يعمل هو على تصبيرهم، وشحذ همهم، وقال لهم “نحن خرجنا نطلب الشهادة.. وحسن كان يطلبها وقد نالها”.

يتذكر الوالد وهو يسترجع تلك الملابسات، اتفاقا عقده مع ابنه حسن بداية التحاقهم بالاعتصام، بأن من يسبق منهما للشهادة يشفع للآخر، وكان اتفاقا أثار تعجب معارفهم.

كانت حياة حسن، مثالا لحياة طالب الشهادة، ولذا كان الوالد يأمل أن يكون ذلك الابن الذي يدعوا له بعد مماته، لما يتملكه من شعور قوي أنه أهل للإجابة، إلا أن قدر الله أن يكون أجله سابقا له، ويتحول الأمل لأن يكون شافعا له يوم القيامة.

لحظاته الأخيرة، كان برفقته حينها صديقه أبو بكر، والذي يستذكر آخر حواراتهم حين قال لحسن وهم في المسيرة، “لابد أن نكون إلى جوار بعض، بحيث إذا أصيب أحدنا حمله الآخر لإسعافه، فقال بل نكون مع بعضنا، حتى إذا استشهد أحدنا حمله الآخر”

فيما يقول صديقه “عثمان عمر”، إن حسن من الأشخاص الذي يصعب على من يعرفه تقبل فقدانهم، لافتا إلى أن كل تعاملاته تشعرك بأنه شخص غير عادي، فتصرفاته تليق بشهيد، وبعد مقتله والعودة بجثمانه، خيم الحزن على جميع أهل البلد بعدما عرفوا بمقتله، خاصة وأنه كان أول ضحايا مركز الصف عقب الانقلاب العسكري.

ويشير عمر إلى أن خروج جميع أهل قرية الشوبك الشرقي في الجنازة يعكس بشكل واضح مكانته وقدره لديهم، فالجنازة كانت مهيبة، والكل هتف فيها مطالبا بالقصاص من قاتليه وأخذ حق دمه.

ظل حسن في خاطر أهل قريته ومحبه، يحيون ذكراه في سنوات لاحقة، ويؤكدون استمرارهم في المطالبة بالقصاص من قاتليه، ومضيهم على نهجه في طلب الحق ورفض الظلم بمختلف أشكاله.