ولادته وفرحة قدومه للحياة بعد طول انتظار وشوق، كان لها وقع مثير على أسرته ومحيطه، استحضروه بأسى حينما لم يكن رحيله طبيعيا، بل استدعى شكلا آخر من الإثارة “المؤلمة” حينما كانوا يبحثون عن جثمانه بعد مقتله.
حسن البنا عيد حسن (21 عاما)، من مواليد قرية البراجيل التابعة لمدينة أوسيم في محافظة الجيزة، عام 1992.
درس حسن الهندسة في معهد العاشر من رمضان للهندسة شعبة الكهرباء، وكان ينتظر بفارغ الصبر لحظة التخرج ليشق طريق حياته، لكن قدر الله كان أسبق، حيث جاءه الأجل وهو في السنة الأخيرة من دراسته الجامعية.
عبر تواصل مباشر لمنصة “قتل في مصر” مع أهل حسن وذويه، وقفنا على جانب من تفاصيل شخصيته وحياته ونشأته التي لم يسبق نشرها، نسطرها في قصته كأحد النماذج الشابة التي قدمت لوطنها وذاتها قبل أن يسقط ضحية لجشع العسكر في السلطة ومصادرتهم حق الشعب.
تاق والداه بعد إنجابهم 3 من البنات إلى الابن الذكر، وظلوا يدعون الله أن يمن عليهم بهذه النعمة، ليشكروها بحسن تربيته كما فعلوا بشقيقاته الثلاث، اللاتي أحسنا تربيتهم، فاستجاب الله دعاءهم ورزقوا بولد أسموه “حسن البنا”، تيمنا بمؤسس جماعة الإخوان المسلمين، الذي كان يرى فيه نموذجا يحتذى.
يحكي أحد أقربائه لمنصة “قتل في مصر” أنه برغم كونه الولد الوحيد في بيته، إلا أنه لم يعش دور الطفل المدلل كما جرت العادة في بعض البيوت المصرية، بل حرص والداه على تربيته تربية تقوم على تحمل المسؤولية، وألا يتسرب إليه شعور بالتميز عن أخواته البنات.
تركت هذه التربية أثرا إيجابيا في حسن، ونشأ على الإحساس بالمسؤولية منذ مبكرة، وكان سندا لوالده في عمله بمجال الطباعة، وكان محل ثقته واعتماده.
سار حسن على طريق والده في الحرص على حسن معاشرة الآخرين وخاصة الجيران، وعقب مقتله، تكشفت لأسرته أعمال خير مخفية، حيث شهد له الكثيرين بتقديمه يد العون والمساعدة للصغير قبل الكبير، وقد حباه الله بجسد رياضي قوي البنية، كان يوظفه في أفعال الخير، والدفاع عن الحق.
أنشأ والده مكتبة بمدينة الشيخ زايد، أصبح حسن العمود الفقري لها، حيث كان يقوم بشراء مستلزماتها ومراعاتها واستقبال زبائنها لساعات طويلة رغم صغر سنه، ومع ذلك لم يعقه الأمر عن دراسته.
كان حسن إلى جانب ذلك موهوبا في مجال الحاسب الآلي وعلومه، وكان حريصا على تنمية معرفته فيه، وكان يقوم بأعمال الصيانة لأجهزة الكمبيوتر من “سوفت وير” و”هارد وير”، ولم يبخل بمعرفته هذه على أسرته أو جيرانه أو من قصده حتى من الغرباء وزبائن مكتبة والده.
اكتسب الشاب حسن من والده الكثير من الصفات الحميدة التي كان الوالد حريصا عليها في معاملاته، ومنها “المروءة” و”الشهامة”، وظهرت في معاملة الابن رغم صغر سنه، وكان الوالد يعتمد عليه في تسيير الأعمال والتجهيزات المطلوبة خلال تنظيمه للاعتكافات في شهر رمضان والرحلات الاجتماعية والدعوية.
إضافة إلى ذلك، عرف حسن بأنه كان شجاعا مقداما، وبرزت تلك السمات من لك خلال مشاركته في فعاليات ثورة 25 يناير منذ اندلاعها، وفي موقعة الجمل، شهد له الجميع بصولاته وجولاته، حريصا على تمثل وصية والده: “يا حسن كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل”.
تقول شقيقته إنه كان معلقا من صغره بالأناشيد الحماسية وكان كثيرا ما يردد بعضها مما يعكس حبه للتضحية وفداء الوطن والدين، ومع ذلك فقد عرف بوجهه الضاحك وشخصيته المرحة، فقد كان صاحب ابتسامة مميزة بين أسرته وأصدقائه.
ترك فقده أثرا عظيما في دوائره، ونعاه أحبابه وأقرانه وعددوا بعد وفاته صفاته الحسنة، ومن ذلك من قال عنه أحد من تتلمذ على أيديهم حيث وصفه بـ “الرقيق الجميل العنيد”، وقال عنه “كان الكل يتهرب من حسن لمشاغبته وعنده، ولم يجدوا إلا العبد لله لترويضه، فكان هو المُروِّضُ لا أنا”.
شارك حسن في اعتصام رابعة العدوية وكان في صفوف الحراسة الأمامية التي تذب عن الميدان، ولمرض والده بالكبد ومعاناته خلال مشاركته في الاعتصام، كان حسن يترك مكانه بين الفينة والأخرى ليطمئن على صحة والده ويرى ما إذا كان في حاجة لأي أمر ويقبل يده ثم يعود لمكان مناوبته في الحراسة.
حسب من رافقوا والده، كان الأب ينظر إليه في كل مرة نظرة مودع، فلعلمه بسمات ابنه، كان يدرك أنه لن يتأخر عن الصفوف الأولى حال حصل أي هجوم على الميدان، ومن ثم فتوقع الفقد كان عاليا لديه.
كانت ساعات حسن الأخيرة تشي بنهاية قريبة وغير عادية، فحديثه لمن حوله وهم في ميدان رابعة وقبل ساعات قليلة من الفض، لا يدور إلا حول الشهادة والحور العين ونعيم الجنة وما ينتظر الشهيد في الآخرة.
وما هي إلا ساعات، وبدأت عملية الفض، وصار الرصاص يحصد في المعتصمين، وكان من نصيب حسن رصاصتان في ساعة مبكرة من صباح اليوم، ليصبح أحد شهداء فض اعتصام رابعة العدوية.
لم تنته القصة عند هذا الحد، فبعد أن تم تكفين حسن وتجهيزه لمثواه الأخير وإيداع جسده داخل المستشفى الميداني بمسجد رابعة العدوية وتوثيق ذلك بمقاطع فيديو، قامت قوات الأمن نهاية اليوم بإحراق المسجد وملاحقه، وإحراق الجثث التي كانت بداخلها.
يقول أصدقائه الذين نقلوه إلى المستشفى الميداني أنه “كان مبتسما كما عهدناه في حياته”، لكنه بعد عملية إحراق المسجد لم يتم العثور على جثمانه.
بينما ظل والده يبحث عن الجثمان 60 يوما متواصلة، لم يترك مكانا من الأماكن المعروفة بوجود جثامين الشهداء بها إلا وبحث فيه، وبعد أن عجز عن التعرف على الجثمان، تقدم بطلب لإجراء تحليل DNA من أجل التعرف عليه لعله يجده بين الجثث المحروقة.
في 13 أكتوبر 2013، تلقى الوالد اتصالا من مشرحة زينهم ليخبروه بأن جثة ولده موجودة لديهم، وكانت صدمته عند استلام الجثة أنه شاهدها خلال رحلة بحثه السابقة 3 مرات على الأقل، لكنه لم يستطع التعرف عليها، واستلم الوالد الجثمان في اليوم التالي وقام بتشييع جنازته الآلاف من مسجد الشرقي بقرية البراجيل.
لحق الوالد بابنه بعد سنوات، حيث وافته المنية مهجرا بإسطنبول، في مارس 2021، بعد سنوات من الصبر والاحتساب.