بهاء الجرواني.. شهيد عربة الإطفاء

على عكس دورها المتمثل في إطفاء نيران الأذى وإنقاذ حياة الناس، أججت عربة إطفاء نار الغضب في قلوب شباب البحيرة، حين دهست بطل قصتنا، ليكون أول شهداء تلك المحافظة الشمالية في جمعة الغضب.

بهاء زغلول الجروانى” (36 سنة) شارك ضمن الآلاف من أهالي محافظة البحيرة، ومدينته دمنهور في إعلان الغضب في جمعتها التالية ليوم انطلاق الثورة في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، التي شهدت سقوط عدد من الشهداء.

في ميدان الساعة، وحيث كان يعبر الشباب عن غضبهم ورفضهم لنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، اندفعت عربة إطفاء بسرعة جنونية بين المتظاهرين في مشهد مأساوي، لمحاولة إرهابهم وتفريقهم.

وبينما كان بهاء يحاول الابتعاد عن طريقها سقطت نظارته، وحين حاول التقاطها سقط لتدهسه عربة الإطفاء بقسوة، ويتحطم رأسه تحت عجلاتها الغليظة، ويموت في الحال، ما جعل الميدان يشتعل غضبا فوق غضب، وتصبح دماء بهاء وقودا جديدا لثورة حققت بعض أهدافها إلا أن فصولها لم تنته رغم مرور 10 أعوام.

كان بهاء، حاصلا على بكالوريوس التربية الرياضية عام 1999، وكغيره من الشباب المصري، عانى في سبيل الحصول على عمل مناسب، ومن ثم لم يكن أمامه سوى العمل مدرسا بالحصة، وحين لم يجد في هذا المسار ما يغطي احتياجاته الأساسية اتجه إلى أعمال أخرى داعمة.

عمل بهاء إلى جانب التدريس بالحصة، سائق تاكسي، وبائع فشار، وانتهى به المطاف للعمل مندوب مبيعات، وحين تبدى بصيص الأمل في التغيير والوقوف أمام الفساد والظلم الذي تسبب في تدهور الأحوال المعيشية عامة، التحق بركب الحالمين بالحرية والعدالة، وانضم إلى جموع الغاضبين ف ميادين مدينته.

كان بهاء حين استشهاده حديث الزواج، فقد تزوج في 17 يونيو/حزيران 2010، أي قبل استشهاده بـ 7 أشهر فقط، ويقول كل معارفه، إنه برغم حنقه على حال البلد، كان مقبلا على الحياة، متفائلا ودودا، محبا للخير وأهله.

لم يكن لبهاء كالكثير ممن شكلوا خريطة الثائرين في يناير، أي انتماء سياسيا أو سابقة اهتمام مباشر بالسياسة، كما لم يكن منضما لأي حزب أو حركة فاعلة في الحياة السياسية حينها، إلا أنه في حقيقة الأمر كان شديد الغضب من الأوضاع السيئة القائمة، التي تشهدها البلاد جراء فساد نظام مبارك.

يستذكر شقيقه أمين، وقع الخبر الصادم والذي كان مفاجئا له ولأسرته، خاصة والدته المريضة، حين علموا باستشهاد بهاء مصادفة من مشرحة مستشفى دمنهور، خلال علاجه من إصابته برصاصة في قدمه بمستشفى دار السلام، حين وصل نبأ سقوط أول شهداء المدينة بميدان الساعة القريب.

ظلت الأسرة لفترة غير مصدقة أن بهاء مات بهذه الطريقة البشعة، وازداد حنقهم مع إجبارهم لاستلام جثته، على التوقيع بأن سبب الوفاة اعتداء بالضرب خلال شجار، بغرض إضاعة حقه، لكنها لاحقا تقدمت بشكوى للنائب العام، تم قبولها وإثبات سبب الوفاة الحقيقي.

كان بهاء العائل الوحيد لعائلته بعد وفاة الوالد منذ 15 عاما، ثم الأخ الأكبر بعد ذلك في حادث قطار، ليكون بهاء الفقيد الثالث في حياة الأم المكلومة التي تدهورت صحتها كثيرا إذ ظلت تعاني أمراض القلب والكلى والكبد.

عاشت الوالدة المكلومة تعاني آلام الفقد، ومعها قدرا من الظلم والتجاهل من قبل السلطات، واستمرت تلك المعاناة 3 سنوات لتلحق بفلذة كبدها، نتيجة المرض الذي كان من المفترض أن تعالج منه على نفقة الدولة كونها أم أحد شهداء الثورة، فضلا عن حقوق أخرى تسابق مسؤولين إلى إعلانها لكن لم يتم استيفاءها.

وعدوا الشقيق بشقة وعمل كريم يعول به والدته وأسرته، ووعدوا الأم بعلاج من أمراض مستعصية، إلا أنه لم يتم استيفاء أي من تلك الوعود، حتى وفاة الوالدة، وتجاهل المسؤولون استغاثات متتالية رغم تفاقم مرض والدة بهاء.

ورغم تتابع الألم والمعاناة، ظل شقيق الشهيد بعد أعوام من سقوط شقيقه يأمل في الحصول على القدر البسيط من تلك الحقوق، بتوفير فرصة عمل له تعينه على تكاليف علاج زوجته المريضة بالكلى، في ظل تدهور حاله وعمله بمكتب تأجير سيارات بأجر شهري لا يتجاوز 800 جنيه (45 دولار)، لا تفي يفي بالاحتياجات الضرورية.

ترك استشهاد بهاء أثرا فاعلا في شباب الثورة، ورغم ما لقيته الأسرة من ظلم وتجاهل من قبل السلطات، حرصت حركات شبابية وأحزاب سياسية مختلفة منها حزبي الغد، والعدل، ورموز إعلامية على الاحتفاء بأسرة بهاء وإعلان التضامن معها ومع حقوقها.