تم تنفيذ حكم الإعدام اليوم في كل من ياسر الأباصيري (49 عاما) وياسر شكر (45 عاما) وذلك بعد ستة أعوام من إجراءات قضائية تفتقد الحد الأدنى من العدالة.
بعد 6 أعوام من التصبر والتشبث بأمل الفرج القريب إلى النفس في الدنيا، تسلم السيدة أم مصطفى بقضاء الله وقدره محتسبة دماء زوجها ياسر الأباصيري، بعد أن كتب الله له فرجا من الدنيا وعذاباتها، وتسترجع حين بلغها خبر تنفيذ حكم الإعدام الجائر والظالم فيه.
لم يكن الأباصيري وحده من وصل نبأ تنفيذ حكم الإعدام فيه نهار الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2020، بل كان رفقته سَمِيُّه ياسر شكر، واللذان جمعتهما قضية واحدة وحكم واحد، لم يُتلفت حين النطق به من قضاة نظام الانقلاب، إلى أدلة براءتهما، حسب محاميهما ومصادر حقوقية عدة.
المشترك بينهما لم يكن الاسم والاكتواء بنار الظلم فقط، بل اشتركا في غير ذلك من السمات والصفات الراقية حسب شهادات الأهل والأصحاب، كما اشتركا في الظروف الاجتماعية، فكلاهما متزوج ويعول 4 من الأبناء باتوا يتامى بعد هذا اليوم. كان عمل الأباصيري في المقاولات، بينما كان شكر محاسبا.
اختفاء وتعذيب
اعتقل الأباصيري في 26 من فبراير/ شباط 2014 على خلفية ما سمي “أحداث مكتبة الإسكندرية” والتي تشير لأحداث العنف التي اندلعت أمام مكتبة الإسكندرية، التي راح ضحيتها 13 مواطناً مصرياً، إضافة إلى النقيب حسام السيد بهي السيد، من قوة الإدارة العامة للأمن المركزي بالإسكندرية، متأثرًا بإصابته بطلقين ناريين بالبطن، والمجند فاروق أحمد عبد الله، من قوة الإدارة العامة للأمن المركزي بالإسكندرية، متأثرا بإصابته بطلق ناري بالبطن، إضافة إلى إصابة 5 من الضباط، و12 فردا، و19 مجندا. كما ألقى القبض على شكر في الخامس من مارس/آذار 2014.
بعد الاعتقال أنكرت الجهات الرسمية وجود كل من أباصيري وشكر، كما فعلت في عشرات الحالات الأخرى، والتي وثقتها منظمات حقوقية – حيث أصبحت أسلوبا متبعا من السلطات المصرية.
سُجن الأباصيري وشكر على ذمة قضية “أحداث مكتبة الإسكندرية”، وقضايا أخرى باتهامات أخرى مثل التجمهر بعد مذبحة رابعة، والشروع في القتل، وحيازة المولوتوف، وترويع الجماهير.
لم تستمع المحكمة لأي منهما، كما لم يتمكنا من مقابلة أي من محاميهم، وتم الحكم عليهما بالإعدام في مايو/أيار 2015 ، ثم تم رُفض النقض. وبذلك بقي كل من ياسر شكر وياسر الأباصيري ينتظرون تنفيذ الحكم الذي شمل غيابيا وليد حبيب.
كدر ما قبل الموت
وفي تصريحات سابقة نقلت عن زوجة الأباصيري، قالت “عندما فتح أمن السجون الزنزانة عليهم أثناء صلاة الفجر، ظنوا أنه تفتيش دوري يحدث أحيانا، ولكن الضابط قام بالنداء على أسمائهم واحدا تلو الآخر، وبدا أنه سيتم اقتياد تلك الأسماء لتنفيذ حكم الإعدام الآن، كنوع من الترهيب وإدخال الرعب بقلوبهم”.
وأضافت نقلا عن زوجها: “أكد لي أن كل من تم النداء على أسمائهم محكومون بالإعدام نهائيا ورغم ذلك ظلوا ثابتين وردوا بكل ثقة وأبدوا استعدادهم للخروج وتنفيذ الحكم الآن، ولكن الضابط قال لهم ليس الآن دوركم لم يحن بعد، ثم وضعوا محكوما بالإعدام جنائي بالزنزانة ثم أخذوه صباحا لتنفيذ الإعدام بحقه حتى يرعبوهم”.
“إنسان” على عتبة الآخرة
لم يكن أي ممن قتلوا في مصر مجرد رقم، بل كان كل منهم إنسانا فاعلا في حياة محيطه، حتى في لحظات انتظاره للموت، كان الأباصيري يشعر بالمسؤولية تجاه زوجته، التي قالت أنه “في كل زيارة يكون مبتسم جدا، وثابت”، وتضيف “للأسف كان يسيطر علينا نحن مشاعر الخوف ولكن لديه يقين بالله كبير يجعله أكثر ثباتا” وتتابع: “دائما ما كان يخفف ألمي بقوله إنه طوال عمره يتمنى الشهادة في سبيل الله، وأنه لا يستطيع أحد أن يتحكم في عمره لأنه بيد الله تعالى وحده، وأن موته بميعاد مكتوب، ولو قدر تنفيذ الحكم عليه سيكون له عذرا عند الله بوقوفه ضد الظلم، آملا أن يشفع له ذلك لدخول الجنة”.
تطورات سياسية
جاء تنفيذ الإعدام في ياسر شكر والأباصيري إبان حراك مصري ضد نظام السيسي، راح ضحيته حتى الآن 4 قتلى خلال الأيام القليلة الماضية؛ هم “عويس عبد الحميد الراوي، وسامي وجدي محمد بشير، ورضا محمد حامد، ومحمد ناصر حمدي إسماعيل.”
كما سبق تنفيذ الحكم حادث في سجن طرة راح ضحيته 4 مساجين محكوم عليهم بالإعدام وهم، السيد السيد عطا محمد، وعمار الشحات محمد السيد، وحسن زكريا معتمد مرسي، ومديح رمضان حسن علاء الدين. لم تتضح الروايات حول هذا الحادث بعد، إلا أنه الحادث الأول من نوعه منذ الانقلاب الذي يقتل فيه ضباط وعناصر من الشرطة داخل السجن، فيما قالت وزارة الداخلية إنها محاولة للهروب، إلا أن السجناء السابقين ومن يعرفون سجن طره، يستبعدون هذه الرواية.
ومع كل حكم إعدام يتم تنفذه، تتضاءل آمال عائلات الذين صدر بحقهم أحكام الإعدام الجائرة في مصر، والتي ينقصها الحد الأدني من الإجراءات القانونية العادية المتبعة، و تنفطر قلوبهم على أحبابهم، ومن ذلك ما كتبت إحداهن “قلوبنا مقهورة ومفجوعة ومش عارفين حتى نتنفس ولا مستوعبين (..) يارب استودعناك أهالينا وحبايبنا يارب”. ويبلغ عدد من ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام بعد رفض الطعن في قضاياهم 82 مصريا مدنيا، حسب آخر إحصائيات منظمات حقوقية.