إبراهيم عطالله.. الطامح لصناعة النووي

بينما كان ينظر إلى صورهم باعتزاز، ويغبطهم على ما حازوه من سبق الشهادة في ثورة غيرت نظاما جثم على صدور المصريين قرابة الثلاثين عام، لم يكن يعلم أن العسكر الذين نقضوا عهد الثوار، لن يتحملوا خروجه لإحياء ذكراهم، وسيسيل دمه في الذكرى الثالثة لهذه الثورة بعد شهور من الانقلاب العسكري.

إبراهيم حسن عطالله (19 سنة) الطالب بالفرقة الأولى في كلية العلوم، قسم الجيولوجيا، بجامعة عين شمس، سقط مضرجا في دمائه بعد إصابته بطلق ناري في الرأس، خلال مشاركته في مظاهرة رافضة للانقلاب العسكري، في ذكرى ثورة يناير، بمنطقة المطرية في القاهرة.

عرف إبراهيم عطالله باعتزازه الشديد بثورة يناير، والنضال من أجل أهدافها، وهي الحرية والكرامة، وعرف بين أقرانه في حيه وكليته بـ “إبراهيم ثورة”، وظل يشارك في كل الفعاليات الخاصة بها، وتعزز ذلك بعد الانقلاب العسكري، حيث حضر اعتصام ميدان رابعة العدوية.

كان إبراهيم متفوقا في دراسته، حصل في الثانوية العامة على تقدير امتياز بنسبة 92%، ودخل كلية العلوم بجامعة عين شمس، وكان يحب الالتحاق بدورات تنموية مختلفة، وحصل على بعضها، وكان إلى جانب ذلك يحب مشاركة ما لديه من علوم ومعرفة مع الجميع، في تواضع ودون استعلاء منفر.

يوم جنازته، تساءل الوالد المكلوم، وهو أمام المشرحة، عن معادلة تمر بها البلد، فحواها، كيف يقتل ولده المصري نتيجة تفويض مواطنين مصريين، بسلاح يعمل هو في تصنيعه بمؤسسات العسكرية المصرية، على يد جيش يخدم فيه ولده الآخر.

يعدد والده وهو في تلك الحالة، جانبا من صفاته، ومناه أنه كان طيبا خدوما، دائم الابتسام، صادق بين إخوته، طائع لربه، كما كان يحفظ أكثر من ثلث القرآن، وأشار في هذا السياق إلى مبادرة كتبها على حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي، والتي رغب فيها بحفظ سورة التوبة.

كان إبراهيم، طموحا متفائلا، ذا همة عالية وأهداف كبيرة، أبرزها، أن يكون مهندس نووي، ولذلك كانت رغبته الأولى أن يدخل كلية الهندسة، إلا أن مجموعه في الثانوية لم يساعده على ذلك، فلم ييأس والتحق بكلية العلوم، كون مسارها من الممكن أن يوصله إلى تحقيق حلمه.

نُقل عنه أنه كان من بين أهدافه كذلك، إنشاء مدرسة تحفيظ للقرآن، وتأسيس مركز للحوار بين المسلمين والمسيحيين بمصر، والمشاركة في مشروع نهضة مصر، من خلال تخصصه في الجيولوجيا، والتفوق الدراسي، والمشاركة في إسقاط الانقلاب العسكري وعودة مصر إلى مسار الديمقراطية.

في ذكرى ميلاده، تتذكره والدته بالدعاء أن يرحمه الله ويتقبله في الشهداء والصالحين، كما سألت الله أن يظل اسمه وسيرته عطرة على كل لسان، وأن يلحقها به على خير.

كتب العديد من أصدقائه عن سماته وصفاته النبيلة، وأثره البالغ فيهم، وما عرفوه من أخلاقه وطبعه القويم، ورأى بعضهم أنه كان أهلا للاصطفاء للشهادة، فهو لم يقض شبابه مثل كثيرين، في أمور تافهة، بل كانت اهتماماته عالية، وثقافته واسعة، ومع ذلك كان يتجنب الجدال والمراء.

كان ذا سمعة طيبة بين أبناء دفعته، وذا علاقة طيبة بأغلب طلابها، وترك رحيله أثرا كبيرا فيهم، ما دفعهم إلى إصدار بيان ينعونه فيه، قرروا من خلاله تعليق صورة له على مدخل الكلية لتخليد ذكراه، وجمع تبرعات من الطلاب كتقدير لروحه والتبرع بها كصدقة جارية، وصلاة الغائب عليه.

كان من آخر ما كتبه على حسابه الشخصي بموقع فيسبوك، “لا نقبلُ الضيم.. ولا نَرضى مع الظلم الدنية.. فما أرخصَ الروحَ إذا.. كانت لأوطاني هدية”، كما كانت له كتابات أخرى تعكس اهتمامه وهمه بحال الوطن واعتزازه بدينه واستعداده للتضحية في سبيلهما.

ذكراه تجاوزت الحدود، وتعبير محبيه عنها تنوع وتعدد، فإلى جانب أداء العديد من العمرات وإهداء أجرها له، عبر آخرون عن وفائهم وحضوره ذكراه في مناطق أخرى، في مقدمها جوار المسجد الأقصى، ومنها كذلك العاصمة البريطانية لندن.

اكتظت جنبات منطقته وشوارعها بمن جاءوا للمشاركة في جنازته، وعلا صوت الهتاف الغاضب الذي أكد فيه أصدقاؤه وجيرانه على بقائهم على العهد، وإصرارهم على الثأر لدمه وعدم التهاون في استخلاص حقه.