إبراهيم الألفي.. ثبات حتى اللحظات الأخيرة

اثبتوا” كانت هذه هي الكلمة الأخيرة التي نطقها بطل قصتنا بعد قنصه بثلاث رصاصات من الخلف في الجانب الأيسر وطلقة بالصدر، وهو يقوم بحمل المصابين إلى المستشفى الميداني.

إبراهيم محمد أنور الألفي (34 عاما) ولد في قرية البصراط بمركز المنزلة في محافظة الدقهلية، وكان يعمل في التجارة ويملك مقهى، وزوجته سلوى نبيل، رزقه الله منها ولد اسمه محمد، كان يبلغ من العمر 4 سنوات حين وفاته، وخديجة، كان لديها عام حين الوفاة.

من ضحايا فض اعتصام رابعة العدوية، حيث أصيب بثلاث رصاصات في جانبه الأيسر من الخلف، كما أصيب بطلقة في الصدر من قناص، وذلك خلال حمله للمصابين في أحداث الفض وتوصيلهم للمستشفى الميداني.

كانت فاجعة زوجته فيه كبيرة، يظهر ذلك خلال حديثها عنه، حيث تخرج الكلمات مختنقة، بينما تعدد سماته وصفاته المميِّزة له، فقد كان لها نعم الزوج، وهو صاحب خلق حسنه، يشمل الجميع بحنانه، بار بوالديه حسن العشرة مع إخوته.

هذا الفقد الأليم، ضاعف غضبها وهي تتحدث عمن تسببوا في ذلك، وحرموها وأولادها من زوجها إبراهيم الألفي، فكان حديثها عنهم شديدا، وهي تنظر في أسف إلى أولادها الذين ذاقوا طعم اليتم بفقدهم إياه وهم بعد يتلمسون خطواتهم الأولى، ويتكون إدراكهم ليجدوا أنه لا أب لهم يبصرهم ويأخذ بيدهم في دروب الحياة.

من سماته وصفاته التي عددها أحد أقاربه، الشجاعة والإقدام والمبادرة، وحسن العشرة والمعاشرة، فقد كان ممن يألف ويؤلفـ كما أنه لم يكن يخش في الله لومة لائم، وهو في نظره يمثل النموذج الصالح للمجتمع، فقد كان في الصفوف الأولى حين ينادي منادي العمل الخيري، يسعى في خدمة الناس ومساعدتهم بما يستطيع.

كان أكثر أقرانه وذويه استحقاقا للشهادة، كما يرى أسامة شعبان، أحد أقاربه الذي رأى فيه المخلص الصادق، الذي كان يعمل على مساعدة الغير بحب وود، ولا يتأفف ولا يتأخر في ذلك، وكان محبا للشهادة، وهو بالنسبة لأصحابه كما يقول البعض (صاحب صاحبه) فهو “صديق صدوق” لا يتأخر عن أحد منهم خاصة في الأوقات الصعبة والمحن والأزمات، وهو لذلك بات مثالا يحتذى ويتمنى غيره اقتفاء أثره والسير على دربه.

في موسم الحصاد، كان إبراهيم، يقف مع جيرانه وأصحابه المزارعين، يحمل بذورهم وغلالهم، ويساعد في جني محاصيلهم، ويحفزهم على فعل الخير وإنفاق قدر مما حصدوه في أوجه الخير، وحين يتجاوب معه بعضهم يحمل على ظهره ما يهبونه في سبيل الله، محتسبا ذلك لله، ويقوم بتوزيها على الفقراء والمحتاجين.

في حكايتها لقصته، تقول زوجته إنه حين ذهابه آخر مرة إلى اعتصام رابعة، كان يوم الإثنين، قبل موعد الفض بيومين، والذي وافق 12 أغسطس 2013، وكان حينها صائما، وعندما طلبت منه الانتظار حتى الإفطار، قال لها إنه سيفطر في الجنة، وهنا سألته زوجته عمن سيعتني بأبنائهم إذا حدث له مكروه، فكان رده “الله موجود”.

كان إبراهيم يأمل لأولاده أن ينشؤوا نشأة صالحة طيبة، ويتمنى أن يحفظوا كتاب الله كما كان جدهم لأبيهم، الذي كان إماما ومحفظا لقريته، كما كان يحرص على تربيتهم تربية تثمر أفرادا صالحين ولبنات طيبة لبلدهم يقومون على خدمتها وخدمة أمتهم بكل حب وصدق.

أثناء اعتصام رابعة، يحكي أحد الأصدقاء كيف كان إبراهيم يذكرهم أنهم، لم يأتوا لشخص الرئيس الراحل محمد مرسي، والذي عزل بانقلاب عسكري، وإنما كان احتشادهم ووقوفهم من أجل الحرية والثورة والديمقراطية والحق والعدل، فالقضية في تقديره قضية مبادئ وأفكار، لا قضية أشخاص.

هذا الأمر، دفع المتحدث إلى التأكيد على أنه ترك فيهم الأثر الكبير، وأنهم سائرون على دربه رغم الهجمات وحملات التشويه والاغتيال المادي والمعنوي الذي يقوم به الانقلاب وإعلامه ضد مخالفيهم.

في يوم الفض، كان إبراهيم، حسب رواية أحد أصدقائه، يقوم بحمل المصابين والقتلى وينقلهم إلى المستشفى الميداني، وبينما هو كذلك، إذا به يصاب بثلاث رصاصات من الخلف في الجانب الأيسر وطلقة بالصدر من قناص، فظل بعدها يكبر حتى حمله الناس إلى المستشفى الميداني، ثم نطق الشهادتين ونظر في وجه من حوله وقال لهم اثبتوا.

لا ينسى له من عرفه شفقته ورحمته، فقد كان إبراهيم رحيما بالناس، حتى لو أخطأوا، ومما يتذكره أحد أصدقائه أنه رآه يمسك بشاب سرق هاتف محمول من أحد الناس، فسأله إبراهيم عن سبب ودافع السرقة، فأخبره الشاب أن والده يضربه في البيت ويعامله معاملة قاسية، وهو ما سرق إلا ليحضر طعاما ليسد به رمقه.

وكان رد فعل إبراهيم أن أحضر له الطعام والعصير وأجلسه بجواره في مقهاه ليأكل، ثم نصحه ألا يسرق مجددا مهما كان الدافع والسبب، وألا يترك بيته ويسمع كلام أبيه مهما قسى عليه.

شيع أهالي قرية بصراط والمنزلة جثمان إبراهيم إلى مثواه الأخير وهم يهتفون ضد الانقلاب العسكري ويؤكدون وفاءهم لدماء ضحاياه واستمرارهم على نهجهم حتى جلب حقوقهم.