العشرات من ضحايا فض اعتصام ميدان رابعة العدوية الذي جرى في الرابع عشر من أغسطس/آب 2013، ظلت جثامينهم مفقودة لأيام وبعضها لشهور، ومنهم من لم يتم العثور عليه حتى اللحظة، إلا أن شهيدنا عثر ذووه على جثمانه متفحما بعد الفض بشهرين.
المهندس أسامة هلال عامر (52 عاما) من مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، وحصل على بكالوريوس الهندسة قسم مدني من جامعة المنصورة، كما حاز دراسات متعددة منها ما يتعلق بإدارة الأعمال والمشاريع الهندسة، وأخرى في إطار إعداد المدربين.
عمل مهندسا معماريا بالمملكة العربية السعودية منذ 1990، وترقى في عمله حتى أصبح مديرا لأحد المشاريع بإحدى الشركات الخاصة في مدينة ينبع الصناعية بالمنطقة الغربية في المملكة.
كان المهندس أسامة متزوجا من طبيبة الأسنان عزة محمد سعيد ولديه منها 5 أبناء، وكان حافظا لكتاب الله، حريصا على تنشئة أولاده تنشئة صالحة وتحفيظهم كتاب الله.
حرص على المشاركة في اعتصام رابعة العدوية، وكان متواجدا يوم الفض، وفقد خلاله، وظلت الأسرة تبحث عنه في المستشفيات وأقسام الشرطة، واستمر البحث أياما وأسابيع، حتى عثرت على جثته محروقة بالكامل بعدها بشهرين بمشرحة زينهم، ولم يتم التعرف عليه إلا بعد إجراء تحليل DNA، لغياب معالم الجسد بالكامل.
كان هادئ الطبع، مسالم متسامح كما تصفه زوجته، سليم الصدر طيب المعشر، ممن يألف ويُؤلف ما أكسبه الكثير من الأصدقاء، كما أنه كان حريصا على أداء جميع الصلوات بالمسجد، وخاصة صلاة الفجر.
كانت علاقته مميزة بأبنائه، حريصا على مصاحبتهم وترك الأثر فيهم دون فرض رأي أو تعنيف، ومن ثم لم يكن من الغريب أن تراه ابنته أقرب الناس إليها في الدنيا، وتجد راحتها في الحديث إليه لساعات طوال كما الأصحاب، وهو مع ذلك كان حريصا على أن يحفظ جميع أولاده القران.
ظل أسامة حريصا على البر بوالديه رغم ازدياد أعبائه وانشغالاته، فما بين عمل في الخارج وانشغال بالشأن العام وأسرة لها متطلباتها، إلا أن ذلك كله لم يحل دون أن يظل على عهده مع والديه، والحرص على إرضائهم كما يخبر شقيقه الأكبر حيث ساعد والديه في أداء فريضة الحج أكثر من مرة.
صادفت فترة اعتصام رابعة العدوية فترة تتناسب مع إجازته السنوية، فقرر أن يقضي تلك الإجازة في المشاركة بالاعتصام، حيث التحق به من يوم 29 يوليو 2013 حتى فض الاعتصام، متخليا عما قد يكون اعتاده في سنوات سابقة من ترتيبات خاصة بهذه الإجازة.
كان يقضي يومه خلال فترة مشاركته في الاعتصام في تلاوة القرآن، كما كان يوقظ هلال ابن أخيه الذي كان مصاحبا له في هذا الاعتصام، لصلاة الفجر يوميا، واستمرت تلك المصاحبة حتى قبل الفض بأيام.
تحدث هلال عن رحلة البحث عن عمه بعد فقده خلال الفض، وكيف أن أباه لم يترك مكانا إلا وبحث فيه عن عمه لعله يجده حيا أو ميتا، وعندما تحدث والده عن اختفاء عمه في الإعلام اعتقلوه.
ظل والده في المعتقل يعاني الأمرين، مرارة اختفاء شقيقه المهندس أسامة وقسوة السجان، لكن الألم تضاعف والحزن اشتد حينما بلغه وهو في معتقله أنهم وجدوا عمه لكن جثة متفحمة.
تحكي ابنته عن أثر الخبر ووقعه عليها حينما بلغها من ابن عمها، حيث أخبرها يوم الفض أن والدها ربما قد يكون استشهد خلال الفض، فكان أول خاطر يخطر في ذهنها أنه من سيأخذ بيدها إلى الجنة، لا كما كانا يظنان بعد أن حفظها كتاب الله.
كان مقر اعتصام المهندس أسامة برابعة في خيمة بشارع الطيران، والذي كان أحد مسارات دخول قوات الجيش والشرطة خلال اقتحامهما الميدان، فكان ضمن أولى المجموعات التي واجهت هذا الاقتحام بصدور عارية، وأصيب برصاصة في الكتف اخترقت جسده وخرجت من الظهر.
كانت هذه الرصاصة سببا في وفاته على الفور رغم محاولة المعتصمين إسعافه، وحاولوا بعدها إخراج جثمانه ضمن العديد من جثامين الشهداء الذين سقطوا حينها، لكن الجرافات والمدرعات والطائرات والقناصة كانوا لهم بالمرصاد فلم يتمكنوا من ذلك.
بعد الفض وبعد معرفة خبر استشهاده، حاول ذوه العثور على الجثة لكنهم فشلوا في ذلك، لم يفقدوا الأمل ودخلوا في رحلة بحث طويلة في المستشفيات والمشارح المختلفة.
وفي إحدى المرات أخبر الأطباء في مشرحة زينهم زوجته أن هناك جثثا متفحمة تماما ولم يستدل على هويتهم فعليهم القيام بتحليل DNA حتى يتمكنوا من معرفة ما إذا كانت الجثة ضمنها، وبالفعل قاموا بذلك، وبعد شهرين اتصل بهم الأطباء ليخبروهم أنهم جثة متفحمة مطابقة لمواصفات تحليل DNA.
وحسبما ذكرت الزوجة، فإن شهادة الوفاة كتب فيها أن السبب “قيد البحث” وان الحرق لم يكن هو السبب وإنما وقع بعد الوفاة.
عصر يوم الأحد الثالث عشر من أكتوبر/تشرين أول 2013، شيع حشد كبير من أهالي محافظة الغربية جثمان المهندس أسامة هلال، من مسجد قادوس بالمشحمة بالمحلة الكبرى، وتحولت الجنازة حينها إلى مسيرة كبيرة غاضبة جابت شوارع المدينة، وهتف المشاركون فيها للشهداء ولاستمرار الثورة ورفض الانقلاب.