أحمد يوسف أحمد العفش، ولد في قرية شُها بمركز المنصورة، في 29 أغسطس 1989، ودرس الهندسة المدنية. وانتهت حياته القصيرة التي لم تتجاوز 24 عاما كأحد ضحايا مذبحة رابعة، التي ارتكبتها قوات الأمن المصرية يوم 14 أغسطس 2013، رغم أنه كان أكمل أداء الخدمة العسكرية قبل المذبحة بستة أشهر فقط.
تصفه والدته بأنه “كان محافظًا على أداء الصلاة، حريصًا على قيام الليل، أتم حفظ القرآن كاملاً، وكانت حياته كلها مع الله والقرآن، كان يحترم الكبير ويرفق بالصغير، ويطيعني أنا وأخاه الكبير، وأشهد الله أنه كان أبر أبنائي بي رغم أنه أصغرهم٬ كما تحمل معي مسؤولية رعاية أبيه وهو مريض، فكان يحضر له كل ما يحتاجه، ويتابعه في تناول العلاج بانتظام، ويساعده على أداء الصلاة،كان كتلة حب وحنان تمشي على الأرض.”
كانت والدته تناديه دوماً “يا نور عيني” وتسأله أن يطلب منها ما يشاء وتضيف ” الآن مهما أعطيت لابني الحبيب لم أكن لأمنحه ما منحه الله له، فقد أعطاه الشهادة وهي أفضل وأعظم المنازل، ونسأل الله أن يأجرنا في مصيبتنا، ويخلفنا خيرًا.”
أما شقيقه أيمن فيقول “كان أكثر ما يشغل أخي وصديقي وحبيبي أحمد بعد تخرجه في الكلية، وأدائه الخدمة العسكرية هو العمل التطوعي، مثل: تحفيظ القرآن لأهل الحي في المسجد بلا مقابل، والمشاركة في تنظيم المعارض الخيرية التي تباع فيها الملابس والسلع الغذائية بسعر مخفض لمحدودي الدخل، والقيام بحملات النظافة، وغير ذلك من أعمال الخير.”
بحسب شقيقه، كان أخر عمل خيري قام به هو التفرغ بشكل كامل لتنظيم سوق خيري للفقراء، وطلب إجازة من المكتب الهندسي الـذي كان يعمل به للتفرغ للمهمة، وعندما كان زملاؤه يقولون له “يا باشمهندس هل أخذت أجازة لتتفرغ لأعمال البقالة وبيع المنتجات للناس؟!”، فكان رده “أنا مهندس نعم، لكنِّي لست مهندسًا على ربنا، أنا أبتغي من هذا العمل مرضاة ربي ثم خدمة أهالي القرية؛ لعلِّي أستحق الأجر من الله.”
ويصفه أحد أصدقائه بالتواضع والسعي الدائم لإقالة العثرات، ويحكي عنه أنه في إحدى المرات دخل مسجدًا مجاورًا لميدان رابعة العدوية للصلاة، وهناك وجد حوض المياه في المسجد مسدودًا، فأخرج خمسين جنيهًا من جيبه وأعطاها لخادم المسجد، وطلب منه إصلاح الحوض.
وفي آخر أيامه كان يردد أنشودة عن المسجد الأقصى، وكانت هذه القضية تشغل باله دائمًا رغم وطأة وجسامة الأحداث في مصر.وكان ثوريًا بامتياز، فلم يكن يترك مسيرة إلا وخرج فيها.
يتذكر صديقه محمد موقفًا قبل يوم المذبحة يدل على شفافية أحمد وحدسه الصادق٬ فيقول ” أثناء اعتصام رابعة العدوية، وفي يوم 28 رمضان اتصل أحمد بأخيه الكبير أيمن، وطلب منه إحضار ملابس ليحضر بها عيد الفطر، وعندما رد أخيه أنه عليه أن يشتري أي ملابس دون الحاجة للانتظار كان رده “أريد أن أقابل الله تعالى بثياب فاخرة.” وعندما كان أصدقاؤه يمازحونه ويلحون عليه بأن يستعد للزواج؛ فكان يقول “زواج؟! لعل الله يريد لنا شيئًا أفضل من هذا.”
يحكي صديقه أحمد الألفي تفاصيل اللحظات الأخيرة، فيقول كان أحمد مثالاً للشجاعة والإقدام، حين وقع الانقلاب العسكري يوم 3 يوليو 2013، خرجت مظاهرات واعتصامات في كل أنحاء مصر، ومنها المنصورة، ونصح البعض المهندس أحمد بأن يكتفي بالتظاهر في المنصورة، فكان رده “مش هرتاح.. لازم أروح القاهرة.”
في يوم مذبحة رابعة تلقى أحمد رصاصة حية بالبطن ، نقل على إثرها إلى المستشفى الميداني بميدان رابعة، وأثناء إجراء أطباء المستشفى الميداني عملية جراحية لإنقاذ حياته، قامت قوات الأمن بمهاجمة المستشفى؛ فاضطر مرافقوه إلى نقله إلى مستشفى (اليوم الواحد) بالقاهرة، وأجريت له عملية جراحية في اليوم التالي، لكن روحه فاضت إلى بارئها بعد بضع ساعات من خروجه من غرفة العمليات.
و شُيعت جنازته من جامع الأنوار بقرية شها في يوم الجمعة16 أغسطس 2013، في مشهد مهيب.