أحمد ومحمود تاج الدين.. شقيقان ارتقيا معا

امتلأت بيوت كثير من المصريين بالأسى والألم والحزن يوم مذبحة اعتصام رابعة والأيام التي تلته، حيث فقدت المئات من الأسر أحد أفرادها، إلا أن أسرة بطلي قصتنا كان الحزن لديها مضاعفا والألم مركبا، فقد فقدت شابين في ريعان شبابهما، تاركين أما مفجوعة، وزوجتين لم يقل حزن إحداهما على زوجها عن حزنها على زوج الأخرى فقد كانتا شقيقتين.

أحمد شعبان تاج الدين (29 عاما) وشقيقه محمود تاج الدين (24 عاما) يقطنان في منطقة أبو تلات في محافظة الإسكندرية، قتلا في مذبحة سموحة التي وقعت متزامنة مع جمعة الغضب الثانية يوم السادس عشر من أغسطس/آب 2013 برصاص الجيش المصري، الذي استهدف المتظاهرين برصاص “الجرينوف” أطلقها من مدرعاته التي كان المفترض بها أن تحمي الحدود لا أن تستهدف المتظاهرين العزل في الشوارع والميادين.

في ذلك اليوم، خرج الشقيقان أحمد ومحمود، للمشاركة في تشييع جثامين من سقطوا خلال مذبحة رابعة، ثم احتشدت جموع الغاضبين لهذا الدم المسال دون وجه حق والذين خرجوا من مناطق مختلفة وتجمع قطاع منهم أمام مسجد علي بن أبي طالب، ورغم أعدادهم الكبيرة، إلا أن قوات الجيش والشرطة، استهدفتهم بعنف، وواجهة هتافاتهم بالرصاص والخرطوش والقنابل المسيلة للدموع.

سقط في تلك المذبحة نحو 40 قتيلا، كان من بينهم أحمد ومحمود، الذين فجعت بهم والدتهم، حيث كانت في رعايتهم وشقيقهم الأكبر رامي، بعد وفاة والدهم منذ 6 أعوام، وكان وقع الخبر عليها كالصاعقة، فأن تفجع الأم بابنها أمر جلل، فكيف بها وقد فجعت باثنين من فلذات كبدها.

كان أحمد ومحمود يملكان مع شقيقهما الأكبر رامي، معرضا للسراميك، يتعاونون في إدارته والقيام بشأنه بعد وفاة والدهم، وكانوا على وفاق تام، تكلل بزواج الأخوين بشقيقتين، هما زينب جمال سلامة، التي كانت زوجة لأحمد وتنتظر مولدها الأول، وفاطمة جمال التي كانت حديثة عهد بالزواج من محمود.

ومهما طال الأمد، فالوجع والألم يظل حاضرا في صدر الأم المكلومة، والتي لم يجف دمعها وهي تصف في برنامج أحياء في الذاكرة بعد شهور من رحيلهم، ما كانوا عليه من تفان في برها، وخلق حسن وتدين فطري صاف، وطيبة يشهد لهما بها الجميع، وسعي في عمل الخير ومساعدة الأخيرين.

تحكي أم الشهيدين ملابسات يوم المذبحة، حين خرج أبناؤها الثلاثة للمشاركة في فعاليات اليوم التي ستبدأ بتشييع جثامين شهداء الفض، وبعد أن خرجوا من منازلهم، مروا بها للسلام عليها وطلب الدعاء، فأبدت لهم رغبتها بالذهاب معهم، لكنهم رفضوا شفقة وخوفا عليها.

كان طلبها الذهاب معهم أساسه الخوف عليهم، ولذا بعد أن رفضوا ذهابها خوفا عليها، طلبت منهم بدورها عدم النزول خوفا عليهم، فقالوا لها في ردهم عليها هل يرضيك ما يحدث في البلاد من قتل للآلاف في ساعات معدودة لمجرد تعبيرهم عن رأيهم؟ هل يرضيك ما حدث من حصار للمصلين بمسجد القائد إبراهيم؟”.

خرج الأشقاء الثلاثة، وشاركوا في تشييع جثامين الشهداء، ثم قرروا المشاركة في تظاهرات جمعة الغضب، وبعد صلاة العصر بمسجد علي بن أبي طالب، بدأ هجوم قوات الأمن والجيش على المتظاهرين، وهناك انقطع تواصل الأسرة مع الأشقاء الثلاثة، حيث لم يعودوا يردون على هواتفهم.

تحكي زوجة أحمد، عن ملابسات الليلة السابقة، وكيف جرى حوار بينهما تضمن توقعا مشتركا بأنها حامل بعد انتظار دام 3 سنوات، واحتياجها للتأكد من خلال طبيب، وحين جاء الحديث عن التظاهرات المتوقعة يوم الجمعة، طلبت منه السماح لها بالمشاركة معه، فرفض.

أضافت زينب، بأن زوجها أحمد أكد لها إن الأوضاع الأمنية لا تسمح بنزول النساء، فقوات الانقلاب تطلق الرصاص على الجميع دون استثناء، وحين لم تقتنع بمبررات رفضه، لجأ لأهلها حتى يساعدوه في إقناعها، وما كان منها إلا أن قالت له إن من حقها طلب الشهادة كما يطلبها لنفسه، ولكنه رفض مجددا فكرة نزولها.

أما فاطمة جمال، زوجة محمود، فتحكي تفاصيل اللحظات الأخيرة لزوجها، حيث كان يشارك في المظاهرات التي خرجت يومي الأربعاء والخميس تنددا ورفضا لما قامت به قوات الانقلاب العسكري خلال عملية فض ميداني رابعة والنهضة، وشهدت تلك المظاهرات هي الأخرى استهداف قوات الانقلاب، ليصاب محمود بطلقات خرطوش في ساقه، وبالرغم من ذلك، صمم على النزول يوم الجمعة للصلاة وتشييع جثامين الشهداء.

كان الإخوة الثلاثة يتصلون بأهاليهم لطمأنتهم، إلا أن تلك الاتصالات انقطعت بعد صلاة العصر، كما لم يعودوا يردون على ما يردهم من اتصالات، وفي إحدى المحاولات رد شخص على هاتف محمود، وأخبر زوجته أنه مصاب ونقل إلى المركز الطبي في سموحة، وعندما ذهبوا وجدوه قد نقل إلى مستشفى الجمهورية.

وخلال محاولات الاتصال بأحمد كذلك، رد شخص آخر من هاتفه، وقال لهم إن صاحب الهاتف مصاب ولا يعلم أين هو، وبعد سؤال واستفسار، بلغهم أنه في المركز الطبي بسموحة.

وعندما ذهلوا إلى محمود، وجدوه قد استشهد بعد إصابته برصاصة في رقبته خرجت من ظهره، ولم تقم المستشفى بشيء سوى وضع قطعة قماش على رقبته، كما وجدوا أحمدا مصابا بطلق ناري في رأسه

وقد كتب في شهادة الوفاة لأحمد طلق ناري في المخ خرج من أسفل العنق، أما محمود فطلق ناري في الرقبة خرج من الظهر.

كانت جنازتهما مهيبة من كثرة عدد المشيعين الغاضبين من جرائم الانقلاب العسكري، والذين رددوا هتافات تطالب بالقصاص من العسكر، ولكثرة عدد المشاركين وهتافاتهم، هاجمتهم قوات الانقلاب دون أدنى حرمة للموت، ولا اعتبار لحزن أصحاب الجنازة.