أحمد عبد اللاه.. شهيد المطرية بالذكرى الثالثة للثورة

أحمد عبد اللاه صديق أحمد (31 عاما) ولد في 21 مارس/آذار 1983، كان من سكان حي المطرية، أحد أحياء العاصمة المصرية القاهرة، وفي ميدانها الذي شهد لحظات صباه أصيب برصاص عسكر وطنه في ذكرى ثورته الثالثة.

شارك أحمد في مشاهد الثورة المختلفة، فقد كان حاضرا أيام الثورة الأولى منذ اندلاعها في الخامس والعشرين من يناير 2011، وشارك بجمعة الغضب، كما كان موجودا بالميدان خلال فض اعتصام رابعة العدوية، ولم يترك مشهدا ثوريا تطلب إثبات موقف إلا كان في مقدمة الصفوف، بل إنه أصيب في بعض تلك المشاهد.

ففي أحداث محمد محمود، أصيب برصاص الخرطوش في عينيه، وسالت الدماء منها، وحينما كان يسعى صديقه أسامة رجب لإسعافه وهو يبكي، كان أحمد يضحك ويقول له “إنت زعلان ليه.. يا ريتها كانت جات في قلبي وكنت مت شهيد”، ولم يرد مغادرة الميدان رغم الإصابة، متمنيا نيل الشهادة.

كان خدوما ساعيا في قضاء حوائج الآخرين، متفانيا في ذلك ويسابق غيره في هذا المضمار، ومن ذلك ما حكاه زميله في العمل، أحمد نصر، حيث قال إنه كان يسابق الجميع حين يرى أن هناك من يحتاج مساعدة، سواء كانت المساعدة المطلوبة في العمل أو خارجه، ومع ذلك كان متجردا متخفيا لا يحب أن ينسب الفضل لنفسه.

كان كذلك غاضا لبصره، فإذا ما اقتضت الحاجة أن يتحدث إلى زميلة عمل أو أي سيدة، كان يضع بصره في الأرض، وكان مقربا إلى جميع زملائه وأصدقائه، ينطبق عليه وصف “صاحب صاحبه”، ولذا لم يكن من الغريب أن يبكيه الجميع حين علموا نبأ استشهاده.

تحكي شقيقته عن يوم إصابته، في الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، والتي شارك في معظم محطاتها، حين ارتدى ملابس جديدة، وصلى الظهر، وأمسك بعدها “كشكولا” خاصا به يكتب سطورا علموا لاحقا أنها كانت وصيته.

رأته والدته وهو يكتب، واستشعرت بقلب الأم أنه يكتب وصيته، ومن ثم خافت وأحست أنه ربما ينزل فلا يعود، فسارعت إلى باب الشقة تريد أن توصده لمنعه من النزول والمشاركة في فعالية تحيي ذكرى ثورة يناير، دعا لها رافضوا الانقلاب العسكري.

وحين شعر أحمد بما تنوي والدته فعله، سارع إليها وهو منزعج وقال: “احنا كده منافقين.. نقعد نتفرج عليهم في التليفزيون ونقول يا عيني يا حرام ونعيط.. لكن كل وحده مش عايزه تنزل عيالها والناس اللي في السجون هتخرج ازاي لما كلنا ما ننزلش” وأقسم عليها ألا تغلق الباب.

عاد أحمد واستكمل سطور وصيته، وذهبت والدته إلى شقيقته وقالت لها “أغلقي أنت الباب لأنه أقسم علي، وأخفي المفتاح معك حتى لا يقدر على الخروج”، لكن شقيقته رفضت، لأنها كانت مؤمنة بما قاله أحمد، وتدرك أنها لن تقدر على منعه من النزول.

كان حديث النفس ووسوسة الشيطان بعد انقضاء أجله، يداهم شقيقته بين الحين والآخر، أنها بعدم استجابتها لطلب والدتها كان سببا في مقتله، لكن ما نقله أصحابه عن دقائقه الأخيرة، أعاد إليها الاطمئنان والرضا، فحسب ما ذكروا، كان من آخر ما ردده قبل إصابته قول الله تعالى: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ (النساء آية 78).

خرج أحمد للمشاركة في مظاهرات الذكرى الثالثة للثورة بميدان المطرية في القاهرة، وهناك تقدم الصفوف رغم كثافة الرصاص وشدة الهجوم من قبل قوات الجيش والشرطة، وأصيب إصابة أولى لم تثنه عن الاستمرار إلى أن أصيب إصابة ثانية قاتلة، ظل يعاني منها حتى جاء أجله بعد يومين من الإصابة.

عبرت أخته عن مصابها فيه بقولها “أصبحت فجأة بدون ظهر ولا سند رغم انك أخي الصغير لكن كنت سندي في هذه الدنيا السوداء بدونك.. كنت دائما تفكر فينا قبل أن تفكر في نفسك.. لكن هذه المرة فكرت في نفسك وتركت لي في وصيتك ألا أبكي من بعدك.. وكيف لا أبكيك وأنت عمري كله.

وتتوالى الشهادات عن حسن خلق أحمد ولين طبعه وحسن معاشرته، فمع حرصه المستمر على قضاء حوائج غيره، كان هاشا باشا دائم الابتسام، يحكي زميله في العمل إبراهيم عرفه، والذي زامله 5 أشهر، أن حسن خلق أحمد كان آسرا، ما يجعله يحب مجالسته والحديث معه لفترات طويلة.

وينقل عنه حديثه المتكرر عن الشهادة وتعبيره المستمر عن تمنيه نيلها، وكان يحكي له ولغيره عن عظمة الشهادة وفضلها ويقول له، الشهيد من عظمة ما يجد، يتمنى لو عاد إلى الدنيا مرة أخرى لا لشيء إلا لينال الشهادة مرة أخرى.

خلال مشاركته في أيام الثورة الأولى، ينقل عنه صديقه أحمد مصباح، حين التقاه بميدان عبد المنعم رياض، حديثه عن الظلم والظالمين وضرورة الوقوف في وجههم، ونقله بحماسة ما كان يقوله لوالدته التي كانت تخاف عليه كما الأمهات جميعا “ربنا رزقك بـ 3 أولاد غيري، سيبيني أنا بقى لله، وعشان خاطركم وخاطر البلد”.

في وصيته التي خطها يوم خروجه للمشاركة في إحياء ذكرى الثورة حيث كانت الإصابة التي انتهت باستشهاده، كتب أحمد عبد اللاه “بلغو رسالتي للعالم الاسلامي كله.. لن تغلبوا عدوكم بالقوة والسلاح.. ولكن تغلبونه بالدين والإيمان والأخلاق والحسنات، فإذا تساويتم في الذنوب فالغلبة للأقوى.. سينتصر الحق وأهله مهما اشتد الظلم.. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله”.

كان يحب الجميع ولا يجد مكان للكره والحقد في صدره، كما كان كريما بشكل أذهل غيره لدرجة ربما رأى فيها البعض سرفا في الإنفاق على الآخرين، ورغم أنه لم يكن الأكبر بين إخوته، إلا أنه كان يحمل همهم جميعا، وخاصة شقيقه عمار الذي كان معتقلا.

اتفق مع عدد من أصدقائه على جمع المال بشكل دوري، للمساهمة في دفع كفالة المعتقلين ظلما من غير المقتدرين، ودعم المصابين وأهالي الشهداء.

كانت جنازته مهيبة شارك فيها المئات، كما استمر محبوه وأصدقاؤه ينظمون الوقفات أمام منزله تأكيدا على وفائهم لدمه وعدم نسيانهم له، وأدى البعض العمرة وأهدوا أجرها له.