في الخامس والعشرين من يناير 2011، استيقظ الأمل لدى الشعب المصري، وبعده بـ 3 أيام، اشتعل الغضب لدى شبابه، ليُعرف يوم 28 بجمعة الغضب، والتي، كما غيرها من أيام الثورة، قدم فيها الشعب شهداء، لكل واحد منهم قصة وحكاية، ومنهم بطل قصتنا.
أحمد عادل أحمد السيد (19 سنة) شاب من مواليد مدينة الإسكندرية، في أول أيام شهر سبتمبر/أيلول من عام 1992، بأسرة بسيطة بين أبوين محبين، وشقيقتين فجعا بفقد أخيهما الوحيد، في نهاية عقده الثاني وهو بعد لم يهنأ بشبابه، الذي كان يأمل بمشاركته في الثورة أن يكون أفضل.
كان أحمد حاصلا على “دبلوم صناعي”، مكافحا محبا للحياة، حريصا على أن يكون عنصرا فاعلا مفيدا لأسرته، وحين استشهاده كان يعمل بأحد فنادق الإسكندرية مساعد شيف (طباخ)، ويخطط لمستقبل أفضل، يتجاوز فيه عقبات الواقع وتحدياته المختلفة.
وربما لم يمهل القدر أحمد ليسطر تفاصيل كثيرة في حياته، فمع كونه لم يبلغ العشرين حين استشهاده، كان شكل الحياة ونمطها الذي فرضه نظام المخلوع محمد حسني مبارك، لا يدع المجال كثيرا لشريحته أن يعيشوا تفاصيل وتجارب تثري الحياة، ولم يكن أمام أحدهم سوى “القتال” لكسب لقمة العيش، ومحاولة الحصول على الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
كان أحمد مثالا للرجولة والشهامة، يحبه الجميع، ويتسم بـ “الجدعنة” في حال قصده أحد، وكان رغم صغر سنه بمثابة الأخ الأكبر لذويه وأصحابه ممن يقاربونه في العمر، ومنهم قريبه محمد مجدي، كما أنه لا يقبل الإهانة لنفسه ولا لمن يعرفهم.
في الثامن والعشرين من يناير 2011، وفي يوم الجمعة الذي عرف لاحقا بجمعة الغضب، خرج أحمد من الفندق الذي يعمل فيه، ليرى جموع الشباب الغاضبة مما حصل مع أقرانهم بميدان التحرير في 25 يناير، والتحق بهم بعد أن بيت النية لهذا الأمر، ورفض كل محاولات الإثناء عن المشاركة.
يقول صديقه عمرو شحاته، إن أحمد كان مصمما على المشاركة، كما أنه صمم على الاستمرار في التظاهر، حتى بعد قرار حظر التجوال، وقال لمن حاول إثناءه عن الاستمرار في التظاهر مستنكرا، كيف أرجع وهناك نساء يعتدى عليها وأطفال وشباب يقتلون.
لم يكن أحمد، حسب تأكيد أسرته وذويه، ينتمي لأي فصيل سياسي، أو كان له اهتمام سابق بالسياسة، لكنه كان كغيره من أغلب شباب الثورة، قد اشتعل لديه أمل التغيير وتحقيق طموح داعب مخيلتهم مع بدء حراك الثورة، أن يسترد الشعب حريته ويضع حدا للظلم والطغيان الذي كان مستشريا حينها.
تقول شقيقته روان، وهي تأكد كذلك عدم انتمائه لأي فصيل، إن أحمد نزل في جمعة الغضب لأجل مستقبل البلد، وحين رأى فتيات وسيدات مصر يتم الاعتداء عليهن، وأصيب بعضهن، لم يرضخ لمحاولة إرجاعه، كما أنه كان يتمنى أن يرى بلده في حال أفضل.
وحسب شهود عيان، أصيب أحمد برصاصة في الظهر خرجت من الصدر، أطلقت من أحد ضباط الشرطة الذين كانوا يلاحقون المشاركين مظاهرات جمعة الغضب بمختلف محافظات مصر.
عقب استشهاده بأيام، قالت هدى سعد والدة أحمد عادل، عقب تسلمها شهادة وفاة ابنها برصاص حي أثناء المظاهرات: “نفسي آخذ حقي من حسني مبارك وحبيب العادلي (وزير الداخلية الأسبق)” مؤكدة في حديث نقله موقع الجزيرة نت أن دم ابنها وغيره من الشهداء لن يضيع، وأنها لن تتنازل عن محاكمة االقتلة.
وأضافت الأم الثكلى: “ابني لم يتجاوز العشرين عاماً ولم يكن منتمياً لأي حزب سياسي ولم يسيطر عليه اتجاه سياسي بعينه، وإنما فقط أراد التغيير والتصدي للظلم والفساد المنتشر في البلاد كبقية أصدقائه الذين يحلمون بأن يأتي اليوم الذي يعيشون وكأنهم أصحاب وطن وليسوا عبيدا فيه”.
البراءات المتتالية التي حصل عليها مبارك ورموز نظامه، شكل صدمة قوية لأهل أحمد وفي ذلك تقول شقيقته آية “حينما رأيت حبيب العادلي وأعوانه قد حصلوا على البراءة، شعرت أن أخي أحمد قد مات في تلك اللحظة وأنني لن أستطيع أن آتي بحقه مرة أخرى”.
وتستذكر في أسى كيف أن صدمة خبر مقتل أخيها أحمد، تسببت في وفاة جدتها بعده بشهرين إثر إصابتها بمرض في القلب والغرغرينا، مؤكدة أن وفاته كان صدمة شديدة لهم جميعا، وكذلك لأهل حيه وأصدقائه.
لم يكن والد أحمد يأمل كذلك أن تنتهي المحاكمات ببراءة مبار وأعوانه، لكنه وبعد أن عاين بنفسه سابقة لأحكام براءة ضباط الشرطة في قضية كان ضمن لجنة تقصي الحقائق فيها واستطاعوا توفير أدلة حاسمة، لم يستغرب كثيرا، فالقضاء حسب تعبيره مسيسا وأغلب القضاة هم أبناء نظام مبارك.
وفي هذا السياق، تتعجب والدة أحمد كذلك من أحكام البراءة في الوقت الذي لا يزال آلاف الشهود ممن أصيبوا موجودين على قيد الحياة، وقد شهدوا جميعا أن من أطلق عليهم النيران هم عناصر الأمن وضباط الداخلية.
إلا أنها عادت وأبدت رأيها بأن جرائم نظام مبارك لن يعالجها حكم أو مئات الأحكام، وإنما الانتصاف منها سيكون في الآخرة بحكم الله الذي لم ولن يغفل عن تلك الجرائم ومرتكبيها، مخاطبة قتلة الثوار: “هنيئا لكم براءة الدنيا وهنيئا لنا انتصاف واقتصص ربنا منكم في الآخرة”.
ثم يعود الشوق والحنين لابنها وتقوله له، “وحشتني يا ولدي وأحمد الله أن الله قدر لك الوقوف بكرامتك وضد حكم ظالم لتقول كلمة الحق وتنقذ عرضا، ومن مات دون عرضه فهو شهيد.. ونحن نحتسبك عند الله شهيدا وفي الفردوس الأعلى”
تعود آية شقيقة أحمد لتأكد مع تسليمهم بقضاء الله وقدره وإيمانهم بعدله وإنصافه في الآخرة، على أنهم لن يتوانوا في البحث عن حقه في الدنيا، وأنهم على ثقة في أن يريهم الله بعدله ورحمته ما يشفي صدورهم في يوم من الأيام، وأن اجتهادهم في ذلك لأن أخاهم سيسألهم في الآخرة عما قاموا به لأخذ حقه.
لم يأخذ ضحايا الأيام الأولى لثورة يناير حقهم في توثيق قصصهم ورصد آمالهم وأحلامهم، فمع عظم الفاجعة وشدتها وصدمة الشارع المصري حينها بما يُقَدم من تضحيات، كانت الأحداث متلاحقة، وأولويات محركيها ووسائل الإعلام حينها مختلفة، لكن الواقع يشي بأنه لم يكن من ضمنها إعطاء تلك الشريحة قدرا مناسبا من الذكر.
وانحسر الأمر لدى الكثير من وسائل الإعلام في رصد الأعداد والأسماء، ومنهم اسم أحمد، وتناول مجموع الشهداء في سياقات عامة، لكن ذلك حقق على الأقل هدف توثيقهم كشهداء للثورة، وهو ما يعطي الأمل في أن يعود الشارع مرة أخرى لمسار المطالبة بحقوقهم واستكمال طريقهم.