“يا أمي عندما أكون في تظاهرة لا تسألي عني، وانتظري عودتي، فإذا لم أعد لا تحزني، فقد بعتِ ولدك لله، وأسأله تعالى أن يشتري” بهذه الكلمات كان يصبر بطل قصتنا أمه قبل نزوله ومشاركته في أي مظاهرة منذ بداية الثورة المصرية حتى وفاته.
أحمد محمد حسب الله، 26 عاماً، ولد في محافظة بني سويف تخرج من كلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر بتقدير جيد جدا، كان يعمل إماما في مسجد بني سويف الجديدة، وانتهت حياته القصيرة عندما قامت قوات الجيش والشرطة باستخدام الذخيرة الحية لفض مظاهرة رافضة للانقلاب العسكري في بني سويف في يوم 27 أغسطس 2013 بعد ثلاثة عشر يوماً من مذبحة رابعة العدوية، وكان أحمد ضمن المشاركين وضحايا هذا اليوم.
تقول والدته إنها ربت أحمد وإخوته ليخدموا وطنهم ودينهم، وقد أنعم الله على أولادها بالالتزام الديني والأخلاقي٬ وقد كان أحمد يعيش للمسجد، يحفظ القرآن الكريم، ويُحفِّظه للصغار، وكان يعشقُ إدخال السرور على أطفال القرية، ويذهب بهم في رحلات لإسعادهم، ويهديهم الحلوى كلما رآهم ومعها ابتسامته الجميلة ودعواته الطيبة وكان زاهدًا في الدنيا، عازفًا عن زخرفها.
أما والده محمد حسب الله فقد وصف قائد الانقلاب العسكري المشير عبد الفتاح السيسي “بالجبان” الذي قتل ابنه أحمد الذي خرج في تظاهرة سلمية رفضت الانقلاب على الحرية والشرعية. ويؤكد والده أنه بعد أن دفن ابنه خرج في تظاهرات دعم الثورة، “لن نركع إلا لله تعالى، ولن نخاف من بطش العسكر مهما قتّلوا فينا، وقد اعتدنا أن نكون رجالًا لا نخشى إلا الله تعالى، ونحن على يقين بوعد الله تعالى؛ بأن أبناءنا في الجنة ينعمون، وأن نصره قريب؛ فقد قال تعالى: “كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله لقوى عزيز”.”
وبنبرة غاضبة أكمل والده قائلا “أشرف أن أكون والد شهيد؛ لأحاجج السيسي ومن فوّضوه أمام الله تعالى يوم القيامة، وسأقول لله تعالى، وأنا أسحب السيسي من رقبته: “سل هذا السيسي لِمَ قتل ابني يا ربي؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل”. وأكد أنهم سيكملون طريق الثورة، “ونحتسب أنفسنا وأبناءنا عند الله تعالى.”
وقد وصفه حسن عرفان أحد أصدقائه فقال كان أحمد رحمه الله دائم التضحية والوفاء لكل من يعرف، وكان مشهورًا عنه الفراسة وبعد النظر والذكاء.
وتقول والدته كان أحمد مشاركا في اعتصام ميدان رابعة العدوية منذ يومه الأول 26 يونيو 2013 وحتى يوم المذبحة 14 أغسطس 2013 وكان يأتي لزيارتي والاطمئنان عليَّ وتغيير ملابسه، وقد أفطر معي يومًا واحدًا في رمضان، وظل بالميدان حتى أحداث الفض، عندما جاءني كان يحمل أخاه محمود مصابًا إثر اعتداء أمن الانقلاب على المعتصمين.
ثم تكمل تفاصيل يوم الاستهداف والقتل فتقول “في يوم الثلاثاء الموافق 27 أغسطس 2013، اغتسل ابني أحمد، وذهب لأداء الصلاة، والأمر المؤسف أن إمام مسجد بني سويف الجديدة وقتها أبلغ قوات الجيش بأن هناك تظاهرة تستعد للخروج من ساحة المسجد، وبعد وقت قصير جاءت مدرعات من الجيش لتفض التظاهرة، وعندها قال أحد أصدقاء أحمد له: “يا أحمد الجيش جه”؛ فرد ابني أحمد عليه قائلًا: إذًا وجبت الشهادة، وبالفعل قد كان، إذ أطلقت قوات الجيش النار على المتظاهرين لفض التظاهرة، وأصيب ابني أحمد وعشرة متظاهرين آخرين، منهم من فاضت روحه في وقت لاحق، ومنهم من ظل يعالج من إصابته.”
وتكمل الأم المكلومة “كنت قبل أن أعرف أن ابني قد أصيب – على يد قوات من جيش بلاده المسؤول عن حمايته لا عن قتله – كنت في طريقي للالتحاق بالتظاهرة، وبالقرب من مكان تجمع الثوار، وقبل وصولي سمعت صوت طلقات الرصاص، ولم أكن أعلم أن تلك الطلقات اخترقت جسد ولدي الحبيب فقتلته.”
وقتها تذكرت الأم ما قاله الابن في وقت سابق ” يا أمي عندما أكون في تظاهرة لا تسألي عني، وانتظري عودتي، فإذا لم أعد لا تحزني، فقد بعتِ ولدك لله، وأسأله تعالى أن يشتري.” حاولت الأم الاتصال على هاتف ابنها فلم يجب، فقامت بسؤال كل من تعرفه عن ابنها، وهل هو بخير أم لا؟، وفجأة وجدت والده يتصل ليقول لها “ارجعي أحمد اتصاب في التظاهرة”، وبعد دقائق جاءني زوجي، وقال لي “أحمد ولدنا البقاء لله.”
حاولت التماسك والصمود، وظلت تردد “لا إله إلا الله، إنا لله وإنا إليه راجعون” حتى وصول الأسرة إلى المستشفى لتسلم الجثمان، فوجدته امه مبتسمًا، وسيمًا، يشع النور من وجهه، ودعت الله تعالى أن ينتقم من قتلة ابنها الحبيب.
بعد الواقعة زاد اصرار الأم على الاستمرار في المشاركة في المظاهرات دفاعاً عن الحق وإصراراً على قول كلمة الحق بشجاعة في وجه الحاكم الظالم.
وقد شيع أهالي محافظة بني سويف جنازة ابنهم المخلص البار أحمد محمد حسب الله٬ وهتفوا ضد الانقلاب العسكري وقادته ومن سفك دماء زهرة شباب الوطن.