أحمد أبو الدهب.. قدم الورد لينال رصاصة

ربما كان لاعتصام رابعة العدوية الحضور الإعلامي الأوسع، لكثرة عدد من شهدوه وارتفاع عدد ضحايا فضه، إلا أن اعتصام النهضة المزامن له شهد كذلك مجزرة راح ضحيتها قرابة مئتي شهيد، منهم بطل قصتنا.

أحمد عبدالوهاب (45 عاما) كان معروفا باسم أحمد أبو الدهب، من قرية صول التابعة لمركز أطفيح بمحافظة الجيزة، والد لخمس بنات، وأحد ضحايا مذبحة فض ميدان النهضة، المتزامنة مع مذبحة فض اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس/آب 2013.

حضر أحمد أغلب أيام الاعتصام الرافض للانقلاب العسكري، وكان في البداية في ميدان رابعة العدوية، إلا أنه انتقل بعدها للمشاركة في اعتصام النهضة، كونه الأقرب له والأكثر احتياجا للمشاركة لكون العدد فيه أقل من عدد المعتصمين في ميدان رابعة.

كان أحمد محبا للعلم والتعلم، وكان يعمل مدرسا للغة العربية، وكان حريصا على إيصال المعلومة لطلبته بحب، كما كان حريصا على تعليم بناته وتحفيظهم كتاب الله، وتنشئتهم على طاعته ومرضاته.

يقول شقيقه محمود، أخي محمد لم يكن له أي طموح مادي أو معنوي في هذه الدنيا، وكان كل حياته وطموحاته مرتبطة بالآخرة، وكان مهتما بطلب العلم بشكل كبير، وحين أبدينا الرغبة في عونه للزواج، كان دائم الحديث عن الكتب وحاجته لاقتنائها.

تقول زوجته سهير سعيد، زوجي كان له حال مع الله عزوجل، فقد كان يحافظ قراءة القرآن، وصلاة الفجر حاضرا، وكان يربي بناته على ذلك ويحثهم على الطاعة والبر، والحفاظ على صلاة الفجر.

كان أحمد أبو الذهب أول من أنشأ دارا لتحفيظ القرآن الكريم بقريته، ولذا فأغلب أبنائها يعرفونه ويحملون له جميل الاتصال بكتاب الله، وهو من صغر سنه له حضور وتميز، ولذا لخصت زوجته وصف ذلك بقولها، “زوجي أحمد أحسبه كان شابا نشأ في طاعة الله” .

صعد المنبر خطيبا في السادسة عشر من عمره، وكان له دور كبير في وأد فتنة قامت بين المسلمين والمسيحيين في مارس 2011 عقب شيوع أنباء عن علاقة عاطفية بين فتاة مسلحة وشاب مسيحي، الأمر الذي استدعى خلافا بين الطرفين وأدى إلى حرق كنيسة في القرية.

كان أحمد حنونا على بناته، وكان يحبهم ويحسن إليهم، ولكل واحدة منهن علاقة خاصة به، وكان لا يدخل المنزل إلا ويده ملآى بما يحبون من حلوى وفاكهة، ويوقظهن إن كن نائمات ليلاعبهن، ولا ينام حتى يطمئن علينهن، ويقول، لعلهن يكن سببا في دخولي الجنة.

تقول ابنته أسماء “كان أبي يوصلني إلى المدرسة كل يوم، وأثناء ذلك كان يردد آيات من القرآن ويطلب مني الترديد معه لأحفظها، وكان لذلك دور كبير في حفظي قدرا من كتاب الله.

تحكي الفتاة الغضة، كيف أنها في يوم الفض رأت رؤيا لوالدها، شعرت من خلالها أنه سيستشهد، وبكت حينها، إلا أنها لاحقا سلمت أمرها لله، وبيتت النية للرضا بقضائه وقدره في حال صدقت رؤياها.

بينما تقول ابنته الكبرى آلاء، “حين توفي أبي كان الأمر صعبا علينا بشدة، وترك في قلب كل واحدة منا فراغا شديدا، فما كان يقوم به يصعب على أي أحد سد فراغه”

تستذكر آلاء آخر وصاياه لهن، حيث كن في ميدان النهضة ليلة عيد الفطر، حين جمعهن وقال “أوصيكم أﻻ تكرهوا أحدا وﻻ تعادوا أحدا وﻻ تجلعوا أحدا يكرهكم.. حبوا جميع الناس، واجعلوهم يحبونكم، فحب الناس علامة على رضا ربنا عنكن”.

تحكي زوجته ملابسات استشهاده، فتقول، حين قضينا سويا عيد الفطر، أتاني بعدها وطلب مني تصوير بطاقته الشخصية وكرينيهات عمل له، فاستغربت وتساءلت، فرد بأنني ربما احتاجها قريبا، وحين جاء نبأ استشهاده، علمت أنه كان يتوقعه، ويشعر بدنو أجله.

كان محمد قد بدأ صيام أيام الست من شوال، وكان في يوم الفض صائما، وكغيره، رفع يده مشيرا لقوات الجيش والشرطة بأنهم سلميون لا يحملون سلاحا، إلا أن الرصاصة كانت أسبق، فأصابة رأسه ليسقط شهيدا، وينضم لزمرة شهداء فض النهضة التي قاربت مئتي شهيد.

كان لأحمد صورة شهيرة وهو يوزع مع عدد من المعتصمين على جنود الجيش ورودا حمراء، تأكيدا منهم على أنهم لا يقصدون إلا الخير، وعلى أنهم يرون فيهم إخوة لهم، ولم يكن يتوقع أن الرد على هذه الورود سيأتي قريبا برصاص يخترق رأسه.

يحكي صديقه أحمد سعيد، عن دوره ومكانته في قريته، وكيف أنه كان شخصية ودودة، ومعروفة بخفة الدم، كما كان شخصية محبوبة مقربة إلى النفوس، ومقصد كل ذي حاجة، وكان لا يتأخر عن قاصد له، كما كان يسعى في حل مشاكل الغير.

وفي هذا السياق، يشير إلى أنه لم يكن يرتاح لأحد كراحته في الحديث لأحمد والفضفضة له بما يواجهه من مشاكل ويجد عنده الاهتمام والنصح السديد الذي يعينه على تجاوز تلك المشاك، كما كان يستأمنه على أسراره ولا يخشى خروجها.

ظلت صورته حاضرة في مسيرة قريته اللاحقة ضد الانقلاب العسكري، وظل أهلها أوفياء لدمه، ينادون في كل مشهد بحقه والتأكيد على السير على طريقه.