كان 5 يوليو2017 هو يوم مرور خمسة عشر عاماً على زواج المهندس الشاب أحمد من رفيقة حياته وأم أبنائه الأربعة. ثلاثة أولاد وفتاة واحدة، أكبرهم بعمر 13 عاماً وأصغرهم بعمر 6 سنوات. لم يعد أحمد في نهاية اليوم إلى زوجته وأبنائه ليحتفل معهم، لأن قوات الجيش المصري قررت خلاف ذلك عندما أطلقت صاروخ على السيارة التي كان يستقلها هو واثنين من العمال على مقربة من موقع عملهم في الواحات البحرية.
الرواية الحقيقية عن الحادث رواها شقيقه المهندس علي الفقي وقال فيها:”في الرابعة من مساء الأربعاء 5 يوليو، علمنا بأن هناك عُطل في ماكينة ضخ المياه في منجم الحديد والصلب الملاصق لنا، تعودنا أن نأخذ المياه من مصرف التبريد في المنجم، ذهبَ أخي ليتفقد الماكينة المعطلة بصحبة اثنين من عمالنا وسائق السيارة، لأني كنت مشغولا بأعمال أخرى، بعد أن أخذنا موافقة إدارة المناجم وإدارة الأمن التي دونت ساعة وصول أخي ورفاقه وسبب زيارتهم. بعد انصراف أخي بثلث ساعة تقريبا أفزعني صوت دوى هائل، هرولت سريعا إلى الخارج حيث وقعت الفاجعة، ولكني لم أجد أخي ورفاقه.. سيارتهم تفحمت تمامًا، لم أستوعب للحظاتٍ ما حدث حتى أبلغني شاهد العيان الوحيد الذي نجى من الأربعة، لوجوده على مسافة عن السيارة لحظة وقوع الفاجعة، أن طائرة هبطت قريبًا من السيارة وأطلقت عليها صاروخًا دون سابق إنذار أو سبب!! مرت عليَّ لحظات مرعبة، نقلت فيها أشلاء أخي ورفاقه من المصرف الذي سقط فيه أشلاؤهم بعد التفجير.”
المهندس أحمد الفقي كان إضافة إلى اجتهاده في عمله ورعايته لأسرته، ذو وجهة نظر سياسية هادئة، يهتم بالشأن العام ويدعو إلى عدم التعصب. عندما اشتدت الخلافات السياسية في عام 2013 كتب على صفحت في : “أصبح الفرق بين الصواب والخطأ ضعيفًا جدًا ، يرجى التركيز قبل الحكم على الأشياء. يرجى استبعاد التفضيلات الشخصية. يرجى استبعاد جميع الوسائط المتحيزة. يرجى استبعاد جميع المعلومات غير المؤكدة. ربما بعد ذلك يمكن أن يكون لدينا شيء للمناقشة.” وكذلك كتب أيضاً: “لكل الاتجاهات .سر الاستقرار و الطمائنينة هو العدل .لم يستقر مبارك بسبب الظلم و لم نستقر بعد ثورة يناير بسبب الظلم و لن نستقر حتي يرفع الظلم عن كل مظلوم اي كان .و اعلمو ان الله ينصر الدولة العادلة و لو كانت كافرة و العكس . وكل واحد يفهم الكلام علي مزاجه . ابحثو عن العدل في ضمائركم.”
تقول خالة زوجة المهندس أحمد في رسالة بعثت بها إلى الكاتبة مي عزام في جريدة المصري اليوم:”سقط المهندس (على) مغشيا عليه في مشرحة زينهم حيث نقلت أشلاء أخيه ورفاقه، وعرفت من بعض أفراد عائلتي الذين قاموا بتسلم الجثة من المشرحة ماحدث بعد ذلك، فلقد ذكر لى أحدهم أنهم فوجئوا برجال في ملابس وأقنعة سوداء موجودين حول المشرحة، وكأنها رسالة تحذير للعائلة، ألا ينبس أحد ببنت شفة.. ثم أخذنا إذن الدفن مكتوب فيه سبب الوفاة”في قيد البحث”! وأبت الحكومة إلا أن تستكمل سلسلة حلقاتها المفبركة، فقد وصلتنا روايتهم في مساء ليلة وقوع الجريمة.. حيث نقل إلينا أحد أقاربنا- يعمل مع الحكومة- أن الفقيد مرَّ بسيارته ذات الدفع الرباعى في مكان يحظر فيه التجول بسبب الحرب على الإرهاب! وانتشرت الرواية المفبركة وتعجبت من تعليق بعض الناس عليها قائلين: ما الذي دفعه أن يمر بسيارته في هذا الطريق الممنوع؟ وكأن الضحية هي التي تلام على مصرعها، وأجبت بدوري، روايتكم كاذبة، لأن فقيدنا ورفاقه لم يمروا في طريق محذور، فقد قتلوا أثناء تأدية واجبهم، ولكن فلنفترض جدلا أنهم قد مرّوا في هذا الطريق الممنوع الذي تزعمونه، هل يمكن أن يعاقب من يمر خطأ في منطقة محظورة بتفجيره عمدًا؟ أم الأسلم أن يتحقق ممثلي السلطة من هويته ثم يقيمون عليه العقاب المناسب إذا تبين لهم أنه قد أخطأ متعمدا؟.”
الزوج والأب ومدير العمل
استمرت رحلة زواج المهندس أحمد الفقي 15 عاماً، وشاء القدر أن تنتهي حياته في نفس يوم زواجه، حيث تزوج في 5 يوليو 2002 وجاء يوم مقتله في 5 يوليو 2017، آخر ما كتبته رفيقة حياته عنه كان يوم 5 يوليو 2021 قالت “مرت 4 سنوات ولكنك ما زلت في قلوبنا بقلبك الطيب وروحك الجميلة ونكاتك وحبك لنا. حتى نلتقي بك دائما في قلوبنا ودعائنا.”
أما عمر عبد الرحيم فاضل أحد العاملين معه فكتب يعزيه قائلا: “نحسبه من خيرة الرجال، التواضع والطيبة وحلاوة المعشر ودماثة الخلق من صفاته النبيلة. إن أردته أخا وجدته، وإن أردته صديقا كان كذلك، حاول مزج العلم بالخبرة وبدا جر العاملين بالشركة خلفه على هذا النهج مازجا ممارستهم بعلمه ودراسته متحملاً تكلفة الأخطاء مهما كانت.”
محمد الفقي ابن علي الفقي شقيق المهندس أحمد الفقي هو الرئيس السابق لاتحاد طلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة ومؤسس شركة “محمد الفقي للإنشاءات والإدارة” ، كتب عند وقوع الحادثة: “مين اللي هايجيب حقي؟ ولا حقه؟ ولا حق أولاده الأربعة اللي أكبر واحد فيهم عنده 13 سنة؟ وهل في حاجة هاتعوض صرخة ابنه اللي عنده 8 سنين وهو مقهور وبيقول عايز بابا! حسبنا الله ونعم الوكيل.”
ينتمي أحمد الفقي وأرملته إلى عائلين معروفتين في مصر، وتنتمي زوجته نهى عشماوي بصلة نسب إلى زوجة رئيس الوزراء إيمان حسب الله، حيث أن والدتها هي السيدة مني حسب الله. ولكن ذلك لم يؤثر على موقف النظام المصري تجاه الحادثة حيث لم يعترف الجيش المصري، وقال المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة لـ «مدى مصر» وقت الحادثة إن وزارة الداخلية هي المنوط بها التحدث عن الأمر، كما لم يؤكد المتحدث العسكري أو ينفِ الواقعة. ومن ناحية أخرى خرجت رواية في الجهات الإعلامية
قالت سلمى حسب الله في نفس الرسالة المذكورة في المصري اليوم”عرفت من بعض أفراد عائلتي الذين قاموا بتسلم الجثة من المشرحة ماحدث بعد ذلك، فلقد ذكر لى أحدهم أنهم فوجئوا برجال في ملابس وأقنعة سوداء موجودين حول المشرحة، وكأنها رسالة تحذير للعائلة، ألا ينبس أحد ببنت شفة.” ويبدو أن التحذير لم يكن لحظي لأن عدد من أفراد أسرة أحمد الفقي قام بحذف منشورات على وسائل التواصل الإجتماعي تندد بما حدث، كالمنشور الذي كتبه هيثم صالحين وقال فيه أن الأسرة تلقت تهديداً من الأجهزة أن الأسرة إذا لم تتوقف عن الكلام في الحادثة فإنه قد يحدث ما يحمد عقباه.”
لم تكن حادثة المهندس أحمد الفقي والعاملين الآخرين في الواحات البحرية أول واقعة يتورط فيها الجيش المصري بقتل مدنيين ضمن حملته الأمنية المستمرة منذ ثماني سنوات فيما يُعرف ف “الحرب على الإرهاب” فقبل عامين من الحادثة أطلق الجيش المصري النيران على وفد سياحي مكسيكي يرافقه أربعة مواطنين مصريين منهم المرشد السياحي نبيل الطماوي والمرشد السياحي عوض فتحي والسائق وائل عبدالعزيز. يذكر أن غرفة السياحة في اتحاد الصناعات المصرية المصرية قدم تعويضاً لكل أسرة من أسر الضحايا المكسيكيين بمبلغ مالي قدره 140 ألف دولار أمريكي، وعند وقوع الحادث قامت وزيرة الخارجي المكسيكية بالطيران فوراً إلى مصر للوقف على ملابسات الحادث ونقل المصابين وتوفير كل الرعاية الواجبة لأسر الضحايا والمصابين. لكن الحكومة المصرية تعاملت بصورة مختلفة تماماً مع حادثة المهندس أحمد الفقي أو حتى في التعامل مع الضحايا المصريين في حادثة الضحايا المكسيكيين.
ينظم القانون المصري حالات القتل الخطأ حيث يقول الدكتور د/ محمود رجب فتح الله دكتور القانون الجنائي المحام امام الجنايات.. “تعريف الجريمة: هو من تسبب بخطأ في موت شخص آخر بأن كان ذلك ناشئا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة، وأن لا تتوافر فيه نية القصد والإرادة حتى لا تصبح قتلا عمدا.”
اختيار النظام المصري عدم تطبيق القانون بل وتهديد أسر الضحايا ليس سياسة فردية في حادثة واحدة، بل هي سياسة منهجية في التعامل مع دماء المصريين سواء الذين قضوا عن طريق القتل الخطأ أو الذين راحوا ضحايا في سياقات أخرى. المؤكد أن ما يجب إختيار النظام المصري لهذا النهج مرهون بالمرحلة وتبقى مهمة التوثيق المقدسة هي الأمل الوحيد في أن يتم في يوم من الأيام الاعتراف بالجرائم التي وقعت في حق مصريين عزل وتعويض أسرهم ماديا ومعنويا.