عبد المنعم قمح.. شهيد الاستفتاء البار بأمه

أبى العسكر إلا أن يُسَجل يوم استفتائهم على الدستور في ذاكرة المصريين، بدماء العشرات من الرافضين لانقلابهم، حيث لم يطيقوا ظهور أي صوت يعلن اعتراضه على هذا الاستفتاء، ولو كان التعبير عن ذلك بشكل سلمي، ليعرف بعدها بـ “دستور الدم”

عبد المنعم عبد الفتاح محمد (38 سنة)، الشهير في بلدته وبين معارفه باسم (عبد المنعم قمح)، خرج في الرابع عشر من يناير/كانون الثاني من عام 2014 بالتزامن مع الاستفتاء على الدستور الذي صاغه النظام في مصر عقب الانقلاب العسكري، لمشاركة الكثيرين ممن يرون بطلانه.

وعقب صلاته العصر في المسجد، وبينما هو مع المئات من أبناء بلدته التابعة لمدينة أوسيم الباسلة بمحافظة الجيزة، يهتفون في سلمية ضد الاستفتاء، هاجمتهم قوات الأمن، وأطلقت قنابل الغاز ورصاص الخرطوش بشكل مكثف.

أصيب قمح من مسافة قصيرة لا تكاد تتجاوز 10 أمتار برصاص خرطوش في وجهه ورقبته، ليسقط شهيدا في الحال، ولم يستطع محيطه تداركه وإسعافه.

أدى مقتل قمح برصاص العسكر، إلى صدمه واسعة بين أبناء أوسيم الذين عرفوه بالخلق الحميد والسيرة الحسنة، والتي شهد له بها المخالف قبل المتفق، والبعيد قبل القريب، وأجج استشهاده لديهم مشاعر الغضب والرفض.

ولد قمح في السادس من يوليو/تموز عام 1976، تحمل مسؤولية والدته وأشقائه بعد وفاة والده، كونه الأكبر، وتحمل في سبيل ذلك الشاق، وسعى بجد لكسب الرزق الحلال، واضطره تحمله للمسؤولية في وقت مبكر للاكتفاء بالحصول على دبلوم تجارة، وعمل موظفا في مصنع للمثلاجات حتى يعول أسرته.

تزوج عبد المنعم قمح ورزق بأربعة من الأبناء، بنت و3 ذكور، إخلاص وعمر ومعتصم وعاصم، واستكمل رسالته في الحياة من خلال رعايتهم رعاية كاملة، إضافة إلى رعايته شقيقه ووالدته.

كان قمح نعم الوالد والمربي حسب شهادات أولاده، فكان يحثهم دوما على حفظ كتاب الله وعدم التهاون في الصلاة والحفاظ على تأديتها في وقتها، وكان يصحب أولاده الذكور إلى المسجد حال كونه في المنزل، وخاصة صلاة الفجر.

يحكي ابنه عمر، كيف أنه كان حريصا على اصطحابه يوميا لصلاة الفجر في المسجد ويوصيه ويوصي الجميع بها، وكيف أنه كان يتعهده بالنصائح القيمة في رفق ومودة، ويكافئه في حال أدى ما عليه من واجبات والتزامات,

ابنته إخلاص افتقدنا ركن البيت وأساسه وكان نوره نفخر به وبتضحيته للبلد وأخلاقه وكان متواضعا وكان كريما لم يبخل على أحد.. شهادات الناس له حتى ممن يعارضونه تعكس ذلك

بينما تقول نجلته الكبرى إخلاص، إنه بموت والدها افتقدت أسرتهم ركنها وأساسها والنور الذي كان يضيء عليهم البيت، لكنها تؤكد في ذات الوقت على فخرها الشديد بسيرة والدها وتضحيته التي قدمها في سبيل وطنه.

وتقول ابنة عبد المنعم إن والدها كان متواضعا كريما، لم يبخل على أحد قصده، وكان يسعى في مصالح الناس ويعمل على قضاء حوائجهم، فيما يشهد له جيرانه وأصحابه بالعمل في الخفاء، والسعي بصمت.

يقول أحد أصدقائه، إن قمح كان حريصا على أن يكون عامله خالصا لوجه الله، ومن ثم كان قليل الكلام كثير العمل، ومما عكس ذلك، اكتشاف العديد من الأعمال الصالحة والخيرية، التي كان يقوم بها، حين توقفها باستشهاده.

سلامة الصدر وهدوء الطبع والحلم، كانت ضمن سماته التي شهد له بها الكثيرون، حتى كتب أحدهم، حين تقابله، تسأل نفسك، “كيف هو بهذه الأخلاق العالية وهذا الصبر والحلم والهدوء”، وكان محافظا على هذه السمات النبيلة حتى وهو في لهوه ومزاحه وسائر نشاطاته.

كان ذا علاقة خاصة بوالدته، فرغم كبر سنها إلا أنه كان حريصا على تدليلها واسترضائها بشتى الوسائل والطرق، ومما حكاه البعض عنه، أنه حين شارك في إحدى الرحلات العائلية التي تنظم لخروج العوائل، حيث يقوم كل شخص باصطحاب زوجته وأولاده، شارك هو باصطحاب والدته، وقضى الرحلة في إبهاجها وإسعادها.

بره الشديد بوالدته، عبرت عنه الأم المكلوم البسيطة، بقولها حين سئلت عنه بعد استشهاده، عبد المنعم كان أفضل الناس، حسبنا الله ونعم الوكيل فيمن قتله وحرمني وحرم الناس منه.

تأثر أهالي بلدته باستشهاده ظهر واضحا في مشاركة حشود غفيرة في جنازته، التي لم يتحملها العسكر كذلك وهاجموها بقنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقها، وألقوا القبض على عدد من المشاركين فيها.

الأثر كذلك امتد ليقوم عدد من أحبابه بأداء منسك العمرة عنه، كما نظم أهالي البلدة وقفات في أوقات تالية أمام منزله، منها وقفات انفرد الطلاب والطالبات بتنظيمها، لما كان له من أثر فيهم، ورددوا الهتافات المؤكدة على عدم تنازلهم عن أخذ حق دمه والانتصار من الظالم.