هبة محمد فكري إبراهيم

قتلت هبة محمد فكري إبراهيم، صبيحة يوم مذبحة رابعة العدوية في 14 من أغسطس/آب 2013م إذ واجهتْ قناصًا للداخلية رافعة كتاب الله في يمينها وراسمة علامة النصر بيدها اليسرى، فأصابتها رصاصة توفيت على إثرها، ليقف ابنها الصبي رمضان على رأسها صائحًا: “ماما اصحي يا ماما بالله عليك”؛ بحسب تقرير نساء رابعة بين الثبات وضريبة الدم ـ نساء ضد الانقلاب.

انتمت هبة في الأصل لقرية سمسطا في محافظة بني سويف جنوب القاهرة، بحسب تقرير بعنوان: “شهيدات الحرية”.. شاهدات على إجرام السيسي وعصابته ـ لموقع رصد في الأحد 8 من مارس/آذار 2020م.

وأقامت لاحقًا في القاهرة بحي مدينة نصر قريبًا من ميدان رابعة، لتكون واحدة من واحدة وعشرين ضحية منذ 3 يوليو حتى مذبحة رابعة، بحسب تقرير بعنوان: بالأسماء.. 21 شهيدة منذ الانقلاب وحتى مجزرة “رابعة”.

تروي فتاة شهادتها على حادثة مقتل هبة، فتقول عند حوالي الساعة التاسعة من صباح الأربعاء الذي شهد مذبحة رابعة: “كنتُ ناحية طيبة مول معايا زجاجات المياه بحملها للناس إللي عطشانه في عز الحر، أنا ومجموعة بنات، وكان معانا نشاء وبيبسي عشان الغاز كنا بنلف عليهم واحد واحد نشوف مين المحتاج”.

وجدت الفتاة في الصفوف الأولى للمواجهات مع الشرطة ناحية المجمع التجاري (المول) رجالًا يزجرونها بصوت عالٍ لكي تتراجع إلى الخلف؛ حتى وجدت سيدة منتقبة.. لم تهتم الفتاة بما كانت تفعله السيدة في البداية؛ فقط أعطتها زجاجة المياه فشربت وناولتها لرجل تعرفه؛ ثم أرجعتها للفتاة؛ وبعد قليل دوى وانتشر صوت طلقات الرصاص مجددًا؛ فأسرعتِ الفتاة مع رفيقاتها للاحتماء خلف ساتر من الطوب وبجوارهن رجل كبير السن وسط آخرين؛ وعلى يسار الفتاة كانت السيدة المنتقبة التي شربت منها ماء منذ قليل تقف أمام الدبابات على شيء مرتفع وسط الركام، دون أن تهتم لا بالغاز الكثيف المُسيل للدموع ولا حتى بالرصاص في حين كان الجميع يحتمي منه.

تروي الفتاة أنها قالت في نفسها: “إن ربنا ليه جنود بيختارهم؛ إزاي قدرتْ تقف كده في مرمى الرصاص وما تخفش.. كنتُ متوقعة أنها هتُستشهد في اليوم ده، وإنه بعد ما يخلص إللي إحنا فيه ده (وقائع المذبحة) هلاقي اسمها بين الشهداء .. لكن إللي ماكنتش متوقعاه هو أنها تُستشهد أمامي”..

وعند عودة صوت الرصاص نظرتِ الفتاة التي تحكي قصة مقتل هبة بعيدًا عنها؛ وبعد أن اختفت الطلقات أخذت تطمئن على النساء اللواتي تعرفهن فوجدتهن بخير، لكنها استمعت إلى صراخ سيدة بجوارها لتجد دماء كثيرة على أرض الميدان والسيدة التي نظرت إليها منذ قليل (قائلة في نفسها إنها من جنود الله).. وقد أصابتها رصاصة، كانت ما تزال جالسة لم تسقط بعد على الأرض، وبينهما شبر واحد فقط؛ فكشفت بمعاونة أخريات عن وجهها مُزيحة النقاب لتعرف أين مكان إصابتها؛ فوجدن ابتسامة كُبرى على وجهها:”افتكرناها لسه عايشة .. لكن نطقت الشهادة واُستشهدتْ”.

وعن قسوة الموقف وكثرة المصابين والقتلى، تضيف الفتاة أن الرجال المعتصمين حاولوا نقل هبة للمستشفى الميداني وسط توالي أصوات الرصاص، وذهب أحدهم بالفعل لإحضار نقالة فلم يجد، فقرروا نقلها داخل ملاءة لسرير، لكن أثناء النقل سقط آخر برصاص لقناص لم يُعرف هل استشهد به أم أُصيبَ فقط.

ولما استطاعت الفتاة العودة إلى بيتها شاهدت الفيديو الشهير لهبة وابنها التلميذ بالصف الخامس الابتدائي رمضان وهو يناشدها أن تصحو من نومها، مختتمة كلماتها: “كانت أرجل من ناس كتير.. كانت بمليون راجل.. رفعت كتاب ربنا في عز الضرب في وش المجرمين.. ربنا يرحمها ويتقبل منها.. ويطبطب (يربت) على قلب ابنها ويحفظه.. ربنا ينتقم من كل ظالم وينتقم من إللي قتل الناس الطاهرة دي ومن إللي ضيعوا البلد”.

كما تروي السيدة سارة عن الشهيدة أنها تعرفتْ عليها أمام منصة رابعة يوم إعلان التغيير السياسي في مصر (3 يوليو 2013م) وعزل أول رئيس مُنتخب بصورة ديمقراطية صحيحة؛ وأنها لم تكن تأتي الميدان يوميًا نظرًا لظروف عملها، فيما كانت سارة تتصل بهبة قبل مجيئها إلى الميدان لإحضار ما تحتاج إليه لإنها كانت من المُقيمات في مدينة نصر، ولذلك أيضًا لم تكن تحتاج للمبيت.

وذات يوم اتصلت بها سارة فسمعتْ صوت بكائها الشديدة؛ وحكتْ لها هبة أنها كانت قادمة من مسيرة من مدينة نصر إلى الميدان فهاجمهم بلطجية؛ مما أدى إلى إصابة ابنها بقطعة رخام استوجبت خياطة طبية لرأسه باثنتي عشرة غرزة، كما دخل البلطجية المستشفى التي يعالج فيها ابنها وحطموا الأجهزة.

وكانت هبة تحرص على اخذ بعض ملابس المعتصمات لغسلها ثم إحضارها في اليوم التالي قائلة: “كفاية عليكم شغل المطبخ والاعمال التطوعية”.

أما يوم الثلاثاء السابق لمذبحة فض رابعة مُباشرة فقالت هبة لها في اتصال هاتفي: “إنها دخلتْ الميدان هي وابنها”، وكان ذلك بعد أذان المغرب، وأضافت: “أنها حاسه بشيء رهيب؛ وأن النهارده هتحصل مفاجأة”.

وكانت تلك آخر مرة تسمع السيدة صوت هبة، ولاحقًا عرفت بعد فترة بخبر مقتلها واتصلت بابنها رمضان مُعزية، بحسب صفحة احكيلي عن شهيد، في 29 من سبتمبر/أيلول 2014م.

تقرير عن هبة عرضه الحقوقي هيثم أبو خليل ببرنامجه حقنا كلنا على قناة الشرق متضمنًا فيديو صراخ ونداء ابنها رمضان عليها بعد مقتلها.