مصطفى العقاد، طالب ونجار أراد أن تكون الثورة سلمية فاستهدفته رصاصات الشرطة

خرج الطبيب من غرفة العمليات بمستشفى الزيتون العام في يوم جمعة الغضب 28 من يناير/كانون الثاني 2011م قائلًا لوالد مصطفى محمد مصطفى، الشهير بمصطفى العقاد، إنه أخرج من صدره رصاصة فيما لا تزال رصاصة أخرى به، وثانية بقدمه فهل يُحب أن يُخرجهما؟ سأله الوالد من بين دموعه: “هل سيعيش ابني لما تخرجهما؟”، فقال الطبيب: “للأسف لا”؛ فأجابه الوالد من خلال دموعه: “إذًا فدعهما ليشهدا لنجلي عند ربه، ويكونا حجة له؛ وحجة على الحاكم والحكومة وكل الناس (الظلمة) بحسب التقرير المصور الذي أذيع في 5 من أكتوبر/تشرين الأول 2011م.
وُلِدَ مصطفى في يناير/كانون الثاني 1993م في حي المطرية الشعبي القاهري لأسرة بسيطة وتلقى تعليمه في مدرسة رفاعة الطهطاوي الابتدائية، ثم عاطف السادات الإعدادية، وأخيرًا حتى الصف الثاني الثانوي بالأميرية الصناعية بالمطرية، كما أنه عمل أثناء الدراسة نجارًا ليومين في الأسبوع ليتحصل على ما يلزمه لنفقاته الشخصية ويعاون أسرته، وكان يحلم بدخول كلية التعليم الصناعي عقب حصوله على الدبلوم بمجموع عالٍ.
جهز مصطفى ليوم جمعة الغضب (28 من يناير/كانون الثاني 2011م) قصاصات كبيرة من الكراتين الورقية الفارغة التي كانت تُغلف أكياس بطاطس الشيبسي؛ واعتاد الجلوس في مدخل البناية التي يُقيمُ فيها كاتبًا عليها: “سلمية .. سلمية”، فلما نهرته والدته عن المشاركة في المظاهرات التي بدأت قبل هذا التاريخ بأربعة أيام .. حاول نفي مشاركته لكنه بعدها قال لعمّه أن سيشارك لكي يكون من أصحاب الرأي بدلًا من أن يُوجهه كل صاحب رأي، بحسب قوله، أكد عمّه الذي كان يتخذه شقيقًا له أن المظاهرات إن كانت سلمية فله أن يُشارك فيها.
وفي يوم جمعة الغضب تشاجر والده معه طالبًا منه ألّا ينزل للمظاهرات؛ وزاد بأن جذبه وأغلق عليه باب غرفته بالمفتاح؛ وظل مع والدته في الغرفة المجاورة، وكانت الأخيرة تجمع ملابس الغسيل، وتُنادي نجلها، فلما لم يُرد فتحتْ وزوجها باب غرفته ليجداه قفز من نافذة الدور الأرضي حيث يُقيمان إلى الشارع وبالتالي إلى مظاهرة من مكان قريب، كما قالت والدته لإحدى البرامج التليفزيونية في 26 من يناير 2016م.
ذهب الراحل في قرابة الساعة الثانية والثلث من بعد صلاة الجمعة إلى مسيرة انطلقت من حي المطرية في اتجاه ميدان التحرير، ولكن قبل وصولها إلى ميدان المطرية، وأمام مدرسة العقاد أطلق قناصة النيران على المتظاهرين من فوق أسطح إحدى البنايات الرصاص الحي، لتترك المذبحة 28 شهيدًا كان مصطفى منهم.
تلقى مصطفى أول رصاصة في ساقه فزحف بقدمه مُحاولًا الاحتماء في أحد صفائح القمامة الكبرى، فعالجه القناص برصاصتين في الصدر سقط على إثرهما، وجاء الخبر لوالديّه بإصابته فقط، فأسرعا إلى مستشفى المطرية العام برفقة الأهل والجيران، وهناك وجداه ضمن كثير من المصابين، وأعلمهم الأطباء أنهم لن يستطيعوا إنقاذه لضعف الإمكانات فذهبوا به لمستشفى الزيتون، وهناك لقنه والده الشهادتين، وقال له مصطفى: “الحمد لله أن رزقني الله الشهادة كما أبطال فلسطين”.
والدة الفقيد السيدة سيدة حسن عبد الرؤوف أسرعت في سيارة احد الجيران الخاصة لتجد الشهيد في الثلاجة فظنته (لشدة الصدمة عليها) يتمارض خوفًا من شدة والده عليه رغم أن الشهيد كان آخر أنجاله؛ فخرجت به من المستشفى في سيارة الجار وهي تقول له: “لا تتمارض لن يضربك والدك هذه المرة ولو استوجب الأمر طلاقي”، وبعد أن أغرقت الدماء ثلاثة ملاءات فهمت الوالدة أن نجلها اُستُشِهدَ، وتعجبت لزيادة وزنه بشكل ملحوظ وهي تغسله مع والده، وكذلك لونه الذي تحول للبياض الشديد، بحسب قولها.
تقول والدة الشهيد في يوم عيد الأم بعد عامين من استشهاده: “مصطفى كان حنيّن، وفى عيد الأم كان دايمًا يجيب لي برفان، أصله كان عارف إنى بحبه، ولو ظروفه مش سامحه كان يجيب لي وردة أو كارت شحن للموبايل، ومافيش ولا مرة خلا بي (لم يأت لي بهدية) إلا من ساعة ما راح”. وأضافت والدته: “أنا كل ما يقرب عيد الأم النار تولع فى قلبى، وأيامى بعد مصطفى تشبه الموت ولا يفرق عندى عيد أم أو غيره، فالأيام تشبه بعضها”، بحسب تقرير: “سيدة حسن” والدة شهيد جمعة الغضب: حياتنا بلا عيد.. وجراحنا مع مرسي بتزيد ـ المصري اليوم ـ 21 من مارس 2013م، حيث اشتكت الشهيدة عدم مجيء حقه خلال فترة حكم الرئيس الراحل محمد مرسي.
لاحقًا وفي الذكرى الخامسة للثورة قالت: إنها كالذي فارق روحه بعد رحيل ابنها، “بخاصة أن كل شيء على حاله، فما زال الفساد كما هو، وما زالت الإهانات للناس، بل والأدهى من ذلك هو براءة حسني مبارك ورجاله من جريمة قتل الشهداء”، مؤكدة أنها: “كلما سمعت خبرًا عن قتلة ابنها رفعت يدها إلى السماء وقالت: حق مصطفى عندك يا رب”، بحسب تقرير لجريدة المصري اليوم في 20 من يناير/كانون الثاني 2016م.
كانت والدة الشهيد تتمنى إطلاق اسمه على مدرسة؛ لكنها فوجئت بمسح اسمه من فوق جدار مدرسة مجاورة كانت تحتفظ بأسماء شهداء المطرية كنوع من التكريم لهم.