فؤاد سليمان أسعد عبد الملك

لم يكن فؤاد سليمان أسعد عبد الملك (29 عامًا) أحد المُشاركين في ثورة 25 يناير، بل إنه في يومها الرابع أو الأربعاء 28 من يناير/كانون الثاني 2011م تلقى تحذيرًا واضحًا من أسرته التي كانت تتابع أخبار الثورة عبر إحدى الفضائيات العربية والجيران قالوا فيه له: “بلاش تخرج النهارده..خليك قاعد فى البيت عشان بيقولوا فى ضرب نار فى الشوارع”، فلم يهتم وخرج من بيته في حي شبرا الخيمة بالقاهرة الشعبي الكبرى ليزاول عمله كميكانيكي للسيارات.

أصلح فؤاد سيارة احد العملاء الخاصة (الملاكي)؛ وذهب بها فسلمها له في المساء، ثم أراد العودة لمنزله فمر أمام قسم شرطة ثان شبرا الخيمة، القريب من بيت الزبون، وهناك وجد أفرادًا من الشرطة يُطلقون الغاز المُسيل للدموع والرصاص على المُتظاهرين والمارين من أمام القسم بصورة عشوائية، فتلقى ثلاث رصاصات منها بصورة مُتتالية أصابت أولهما الرقبة، ولما حاول الفقيد أن يستدير أصابت الثانية جانبه، والثالثة ظهره، وعلى الفور قام بعض الأهالي بمحاولة إنقاذه بنقله للمستشفى لكنه فارق الحياة بعدها.

وبحسب تقرير أسرة فؤاد سليمان أسعد عبد الملك شهيد “جمعة الغضب” بشبرا تطالب بالقصاص ـ اليوم السابع ـ 9 من مارس/آذار 2011م فإن والد الراحل (57 عامًا) يقول من بين دموعه: “حتى هذه اللحظة لا أصدق أن ابنى فؤاد تم قتله بهذه الطريقة البشعة دون أن يقترف أى ذنب فقد كان محبوبًا من الجميع؛ ولا ينتمى إلى أي أحزاب، وكان يستعد لإتمام خطبته من إحدى قريباته؛ ويعمل ليل نهار حتى يستطيع تأثيث شقة الزوجية كباقى الشباب”.

شقيقة فؤاد حنان تؤكد أنها اتصلت به (أيضًا) ناصحة له بعدم العمل لكنه “ذهب لقدره” (بحسب قولها)، وتكمل بأن أحدهم أتصل بها لاحقًا مؤكدًا لها أن الراحل في المستشفى مُصابًا بطلقات حيّة؛ فأسرعت إلى هناك لتجد جثتين؛ بالإضافة لعدد كبير من الشباب المُصاب الذين كانوا مُغطين فيما دماؤوهم تسيل ما تزال على الفراش “وكأنها نافورة مياه” .

ظلت حنان تبحث بينهم لعلها تجد شقيقها حتى وجدته يصرخ بينما تسيل الدماء من رقبته ومختلف أجزاء جسده: “ألحقوني الشرطة قتلتني”، بعد قليل أخذه الأطباء لإجراء جراحة له، استطاعوا خلالها استخراج الرصاصة التي في رقبته؛ لكنه بعد نقله بعدها إلى العناية المُركزة لفظ آخر أنفاسه.

أما شقيقته الثانية نرجس فتضيف من بين دموعها كان فؤاد على وشك الاستقلال بحياته؛ “فبأي ذنب قتلوه؟ فقد كان يحنو على الجميع ويعمل طوال اليوم حتى يساعد نفسه وأسرته على تكاليف الحياة، ولم نكن نعلم أن دماءنا رخيصة لهذه الدرجة فى أعين الشرطة التى كانت من المفروض أن تقف وتحمينا بدلًا من أن تقتلنا (كالفراخ) لكن دماء جميع الشهداء الطاهرة جعلتنا أقوى من الماضي”.

من جانبه قال السائق خلف (25 عامًا) شقيق الفقيد إن فؤادًا استنشق الغاز مثل الثوار ومات أيضًا موتتهم: “حتى نستنشق نحن الحرية، (وبالتالي) فإننا لن ننساه، أبدًا لإنه كان بالنسبة إلينا كل شيء، كما أن جميع (المصريين) لن ينسوا الشهداء .. ويجب أن يتم محاكمة المُتورطين فى قتلهم حتى تهدأ النار المُشتعلة فى قلوب أسرهم”، بحسب قوله.

في ختام كلماته طالب شقيق فؤاد المسئولين، ومحافظ القليوبية (التي كان الفقيد مُقيمًا بأحد أحيائها) “بتسهيل إجراءات الحصول على معاش الشهداء” بالإضافة لتكريمهم.

وطالب والد الشهيد بالقصاص العادل من كل الذين تسببوا فى مقتل نجله؛ ذاكرًا إنه تقدم ببلاغ رقم 1663 إدارى/شبرا الخيمة في هذا الشأن ضد مأمور قسم ثان شبرا الخيمة ورئيس المباحث ومعاونى المباحث يتهمهم فيه بشكل مباشر بإزهاق روحه.

لاحقًا قامت جريدة خاصة أخرى بتوثيق قصص لشهداء ومُصابي الثورة في تقرير تحت عنوان «المصرى اليوم» تروى حكايات «الشهداء» و«القتلة» من سجلات النيابة العامة في 5 من سبتمبر/أيلول 2011م، وكانت حالة فؤاد التاسعة ضمن الحالات التي رصدتها الجريدة بالأوراق المُوثقة القانونية، وفي وقائعها شهد محمد صلاح عبد الله (26 عامًا) عامل بأنه رأى وقائع مقتل الراحل، وأيضًا وثق مفتش أول صحة منطقة الساحل الطبيب صبحي لحظي سوريال (48 عامًا) شهادته التي تفيد بوفاة فؤاد بالأعيرة النارية، بالإضافة لما أثبتته ملاحظات النيابة أيضًا.