أسامة علي.. ارتجى السماح حال الشهادة

كتب على حائط حسابه بموقع فيسبوك، قبل أجله بنحو شهر متمنيا الشهادة، كما كتب كذلك على حائط منزله سؤالا افتراضيا توجه به لقاتله، “كيف تقتلني وأنا أعبر عن رأيي؟”.

أسامة علي (14 عاما) طالب الصف الثالث الإعدادي، ابن مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية (دلتا النيل)، أصيب برصاصة قاتلة في الرقبة خلال مشاركته في وقفة تطالب بالإفراج عن معتقلين، بمدينته يوم الخامس والعشرين من يناير 2014.

كان ثالث إخوته الخمسة، شقيقه الأكبر أحمد طالب بكلية الإعلام وكان يشارك في فعاليات الطلاب بالجامعة، وشقيقه الذي يكبره محمد كان طالبا في الثانوية العامة، ويصغره شقيقاه عبد الرحمن وحمزة.

لم يترك الفتى الغض مشهدا ثوريا إلا وشارك فيه، فرغم صغر سنه الذي كان قد جاوز العاشرة بشهور، لم يتأخر أسامة عن المشاركة في انطلاقة ثورة 25 يناير 2011، وظل وفيا لها مشاركا في مختلف فعالياتها حتى قضى شهيدا في ذكراها الثالثة.

ولد أسامة في 30 سبتمبر من عام 1999، وكان محبوبا بين أقرانه، كما أحبه مدرسوه، وكان مقبلا على الحياة، ضاحكا بشوشا، معروفا بحرصه على إبهاج من حوله وإدخال السرور عليهم.

خط أسامة على جدار منزله قبل وفاته بأيام، عبارة تشي بتمنيه لنيل الشهادة، وتضمنت سؤالا استنكاريا لمن سيقتله، كيف قام بذلك في مقابل تعبيره عن رأيه في سلمية، ولم يكن تمنيه الشهادة إلا في سياق حبه لحياة حرة ومستقبل كريم.

كان أسامة في مختلف مشاركاته بالحراك الثوري حريصا على أن يكون في الصف الأول، وفي الذكرى الثالثة لثورة يناير، شارك أسامة في تظاهرة أمام استاد الجامعة بالمنصورة، فأصابته قوات الشرطة برصاصة في رقبته فمات في الحال.

يحكي والده عن آخر تواصل بينهما قبل استشهاده، فيقول كنت عائدا من زيارة لأخيه بالقاهرة، وهاتفني وأنا في الطريق وبعد اطمئنانه علي، قال ماذا تحب أن أجهزه لك يا والدي حتى ترجع وتجده، فشكرته وقلت له أريد أن أجدك بخير.

يتابع الوالد، قال لي أسامة، سأنزل للمشاركة في مظاهرة عند الاستاد، فحاولت إثناءه وقلت له، لا يا ولدي، فاليوم الأعداد ستكون قليلة والبلطجية في مدينتنا كثر، فسكت.

ويستحضر الوالد المشهد، ويقول في حديث إعلامي، “الكل رأى كيف قتل أسامة، حيث كان هناك بث مباشر، وكان واضحا للعيان أن مظاهرة سلمية شارك فيها أسامة لينادي بحرية أصدقائه الذين كانوا يلعبون معه في الشارع”.

يشير والد أسامة إلى أنه كان له لأسامة أصدقاء قتلوا قبله، كما كان له أكثر من 10 من الأصدقاء ممن كانوا يلعبونه معه لعبته المفضلة كرة القدم، قد اعتقلوا، ومن ثم لم يكن يهنأ له مرح أو لعب، وظل يشارك في وقفات ومسيرات للمطالبة بحريتهم.

أما والدته رباب، فرغم المصاب والألم، تحمد الله أن اصطفى ابنها أسامة شهيدا، وتقول إنها لم تتوقع أن يكون هو من سيقع عليه الاصطفاء، وأنها كانت تتوقع الشهادة لابنها محمد.

لكنها تعود وتؤكد أنه كان أحن أولادها عليها، وتستذكر كيف أنه لم يكن ينام قبل أن يقبل يديها، ويتأكد من رضاها عليه، وفي حال تخوف من أن أكون في نفسي شيء منه، يظل يسترضيني حتى أرضى، ويقول لن أهنأ بنوم حتى ترضي عني.

كان حسب شهادتها، محافظا على الصلوات، ولا ينام حتى يتلو ورده من القرآن، وكان محافظا على أذكار الأحوال.

فيما يقول شقيقه محمد، إن مقتل أسامة سيزيد حماستنا للاستمرار من بعده على دربه، مضيفا أنه كان ملتزما بكل خير، ويحثه على الصلاة في وقتها، ويستشيره ولا يتجادل معه، ورغم محاولاته لإخفاء مواعيد المسيرات عنه إلا أنه كان يعرفها من مصادر أخرى ويفاجأ به مشاركا فيها.

كان من أول ما نشره الوالد المكلوم على صفحته بموقع فيسبوك عقب استشهاد ابنه أسامه صورته مصحوبة بهذه الجمل “نظراتك تحرقهم.. صمتك يقلقهم.. صمودك يرهبهم.. إسلامك بريء منهم.. دمك لعنة عليهم”.

كان محبا لرياضة كرة القدم، كما كان يهوى الرسم، ومن سماته التي شهد له بها أصحابه، أنه كان طيب القلب لا يحمل ضغينة لأحد، وإذا اختلف مع أحد كان يسارع لمصالحته، فقد كان ذا قلب لا يحب الخصام.

من آخر ما تمثل به على صفحته بموقع فيسبوك، عبارة على شكل صورة، كتب فيها “احتمال بكرة أكون شهيد فسامحوني”.

كانت جنازته مهيبة شارك فيها حشود كبيرة من أهل مدينته، وتفاعل معها الأهالي ممن مرت عليهم الحشود المشاركة في الجنازة، وظل المشاركون يدعون له على قبره لفترة طويلة في مشهد مؤثر.