هبة الله جمال.. عروس الإسكندرية
من بين مئات المشاركين والمشاركات، كان الاصطفاء والاختيار، وفي لحظة مباغتة باتت معتادة من جحافل الأمن المدججة بالسلاح بحق مدنيين عزل يتظاهرون ضد انقلاب عسكري، طال رصاصهم الغادر جسد بطلتنا الشابة، لتمضي شهيدة.
هبة الله جمال عبد العليم (18 سنة)، فقيدة الإسكندرية في الذكرى الأولى للانقلاب العسكري الذي تمت فصوله في الثالث من يوليو/تموز 2013، حيث خرجت المظاهرات في عدد من المدن المصرية ليسجل المشاركون فيها ثبات موقفهم الرافض لهذا الانقلاب، وتأكيدهم على ضرورة إنهائه وعودة الحق لأصحابه.
إلا أن منطق العسكر في التعامل مع هذه التظاهرات لم يتغير، ولم يعد يكترث بأعداد القتلى الذين يتساقطون برصاصه، كما لم يعد يفرق بين الصغير والكبير، والقوي والضعيف، والذكر والأنثى، فالكل لديه سواء.
كانت هبة الله ضمن المئات المشاركين في تظاهرة مسائية خرجت بشارع صلاح الدين في محافظة الإسكندرية، ضمن عدد من المظاهرات الليلية التي خرجت في المحافظة حينها، وكغيرها من المسيرات، هاجمتها قوات الأمن وأطلقت القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والحي، لتطال هبة الله رصاصات في رقبتها وصدرها.
ظلت هبة الله تنزف لساعتين بسبب تنقلها بين عدد من المستشفيات التي لم تقبل استقبالها بعد الإصابة، وفاضت روحها بعد 5 دقائق من قبول أحد المستشفيات لها، وحاولت سلطات الانقلاب إجبار والدها على التوقيع والإقرار بأنها ماتت منتحرة، وحين رفض هددوه واعتقلوه لساعات، وبعدها سمحوا بإصدار تصريح الدفن.
كانت هبة طموحة ومتفوقة في دراستها، حيث كانت طالبة في الثانوية العامة، وظهرت نتيجتها عقب استشهادها بحصولها على 95%، كما كانت مخطوبة، تستشرف حياة سعيدة، إلا أن العسكر أنهى كل ذلك برصاصاته الغادرة.
وحسب شهادة والدة هبة الله، فإنها كانت حريصة على المشاركة في مختلف الفعاليات الرافضة للانقلاب، حتى تلك التي كانت تصادف أيام امتحاناتها، دون أن يؤثر ذلك على تفوقها، لافتة إلى أنها شاركت في اعتصام رابعة العدوية، وكانت متطوعة في تجهيز الإفطار للمعتصمين خلال شهر رمضان، وشهدت مجزرة الحرس الجمهوري.
كانت هبة الابنة الفتاة الوحيدة لوالديها، إضافة إلى شقيقها عبد الرحمن، الذي كان معتقلا حين حادثة مقتلها، وحين علم تأثر وبكى بشدة كونها شقيقته الوحيدة، وزاد من حسرته وحنقه رفضهم مشاركته في جنازة ودفن أخته، بل قال له الضابط الذي أبلغه “أختك ماتت عقبالك”.
تقول والدة هبة الله “أحتسب ابنتي عند الله، فهذا قضاءه وقدره، وهو سينتقم من الظالمين، ويريهم في ذويهم ما رأينا.. حسبي الله ونعم الوكيل”، مؤكدة أنها ستستكمل مسيرة ابنتها، حتى تقتص لابنتها ممن قتلها ويتم دخر الانقلاب.
فيما يقول جمال عبد العزيز والد هبة: “ابنتي هبة عاشت بهدف وماتت لأجله، كانت تنادي بالحرية وتأمل في الشهادة وتطلبها من الله، كما كانت تحلم بالمشاركة في تحرير الأقصى”.
تحكي جهاد، وهي رفيقة هبة الله خلال المسيرة الأخيرة: “تحركنا لبدء مسيرة من شارع صلاح شرق الإسكندرية، وفوجئنا بسيل من البلطجية في الصف الأول وقوات الداخلية في الصف الثاني، وأخيراً قوات خاصة ملثمة بسيارات الجيش في الصف الثالث، ووابل من الرصاص الحي والخرطوش يطلق علينا من كل جانب”.
وتضيف جهاد: “لم نتخيل ما حدث، فقد قام عدد من الباعة بالسوق بعرقلتها بالأرجل والأيدي، حتى قام أحد ضباط الجيش وآخر من الشرطة بإطلاق الخرطوش والرصاص الحي على الشهيدة من مسافة لم تتعد 70 سم، وهي التي كانت تقف لتساعد إحدى الفتيات للنجاة من هذا الاعتداء الغاشم عليها”.
وحسب شهود أسرة هبة الله، فقد وصل جثمان هبة الله إلى المنزل وقت الفجر، لتفاجأ الأسرة بقوات من الداخلية تقتحم المنزل، وتأخذ الاب والأم مع جثمان الشهيدة للتحقيق في سبب مقتلها، ومحاولة إرغامهم على الإقرار بخلاف ما حدث، وهو الأمر الذي رفضه الوالدان.
كان آخر ما كتبته هبة الله على صفحتها بموقع فيسبوك: “لا إله إلا الله عليها نحيا و عليها نموت وفي سبيلها نجاهد وعليها نلقى الله.. اللهم احفظ إخواننا واحقن دمائهم وثبتهم وكن لهم خير معين”.
شهدت جنازة هبة مشاركة أعداد غفيرة من أهالي الإسكندرية، حيث زغردت النساء وكأنها عروس يتم زفافها يوم فرحها، وعلت الأصوات بالهتافات الغاضبة والمطالبة بالقصاص من القتلة، والمؤكدة على الاستمرار على طريق الفقيدة حتى تحقيق أهدافه.
بينما بادر عدد من المحبين والمتعاطفين مع قصة هبة الله لأداء العمرة عنها، كما أعد لها آخرون مقاطع فيديو لتخليد ذكراها وتعبيرا عن الوفاء لها.