وفاء خليفة عالمة البحار التي قتلت مرتين في الثورة المصرية
قتلوها مرتين.. مرة حين أصابوها أكثر من مرة في أحداث الثورة ومحمد محمود، وأخرى حين أهملوا علاجها وحرموها حقها فيه، حتى لاقت ربها بسبب تعنتهم واعتدائهم المتكرر عليها عند طلبها العلاج.
العالمة المصرية، وفاء خليفة (43 عاما)، والمشهورة كذلك باسم مي، حاصلة على الدكتوراه في مجال علوم البحار. وأصيبت خلال أيام الثورة وهي تحمل أحد الشهداء بعد أن افتداها من استهداف مباشر من رصاص قوات الشرطة، كما أصيبت خلال أحداث محمد محمود الأولى، إصابة أدت إلى شلل في رجليها، وورم خبيث في عمودها الفقري، انتهى بوفاتها في 11 أكتوبر/تشرين أول 2013.
وفاء خليفة، هي ضحية إهمال وفساد السلطات المصرية، واصطلت بنيرانها نتيجة مواقفها المعارضة لها والتي بدأت في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، عندما تم اعتقالها من قبل مباحث أمن الدولة في يونيو/حزيران 2006، بسبب قصيدة تنتقد فيها نظام مبارك، ألقتها بأحد مؤتمرات المجلس القومي للمرأة.
تحكي العالمة المصرية عن تجربتها تلك، وكيف أنها قضت 10 أشهر داخل سلخانات أمن الدولة، تعرضت خلالها لشتى طرق التعذيب والإهانات، نتج عنها إصابتها بصدمات عصبية ونفسية عديدة، لتخرج من هذه التجربة وهي في “حالة انهيار نفسي تام”، ثم فُصلت من عملها.
محنتها في عهد ما قبل ثورة يناير لم تتوقف عند هذه التجربة الأليمة، فقد سبق ذلك -حسب ما نشرته صحيفة وطن– فقدها أسرتها (والدتها وأشقاءها) الذين كانوا من ضحايا زلزال 1992، وبقت بعدها وحيدة، حيث لم تتزوج، لكن كان لذلك دور في تركيزها بحياتها العلمية والعملية كأستاذة في علوم البحار.
حصلت الدكتورة وفاء خليفة خلال رحلتها العلمية على ثلاثة شهادات دكتوراه، أولها في علوم البحار من جامعة سانتياجو بولاية كاليفورنيا الأمريكية عام 1990، وهي ابنة ضابط اتصال كان في كتيبة الفريق عبد المنعم رياض، استشهد في حرب الاستنزاف قبل مولدها بثلاثة أشهر.
بدأت قصتها مع أحداث الثورة، حينما كانت متواجدة بمحيط ميدان التحرير في ثاني أيام الثورة الـ18، ليسوقها القدر إلى إحدى نقاط المواجهة، وتجد نفسها في لحظة بين شباب الثورة، ويستفزها أحد العناصر الأمنية وتشتبك معه في نقاش، قبل أن يستهدفها آخر بشكل مباشر، فيفديها أحد الشباب، ويقع صريعا بين يديها، بينما أصيبت هي.
ومن حينها، ارتبطت ارتباطا وثيقا بميدان الثورة وشبابه، وباتت تقضي أغلب وقتها فيه، تشارك في الدفاع عنه، وإسعاف مصابيه، وجهزت له من مالها الخاص مستشفى ميدانيا بجميع مستلزماته، وظلت بين جنباته باقي الأيام الثمانية عشر حتى تنحي الرئيس المعزول حسني مبارك.
لم تنفصل وفاء عن الميدان، حيث شاركت في أغلب فعالياته اللاحقة، حتى جاء موعد إصابتها الأخطر خلال أحداث محمد محمود، حينما كانت تحاول حمل أحد المصابين إلى المستشفى الميداني الذي جهزته، لتتلقى قنبلة غاز من مسافة قصيرة (10 أمتار) وتصيبها في ظهرها، فينكسر أحد ضلوعها وتسقط أرضا.
حاولت النهوض واستئناف حملها للمصاب، لكنها تلقت قنبلة أخرى أسفل فقرات ظهرها، لتزداد إصابتها، وتبدأ معاناة لم تنته إلا بوفاتها بسبب تداعيات تلك الإصابة.
حين اشتد عليها الألم عقب تلك الإصابة، ذهبت وفاء لمستشفى الهرم فرفضوا علاجها ثم توجهت لمستشفى القصر العيني الفرنساوي، فرفضوا كذلك علاجها، أصيب بالشلل النصفي، قبل أن يدفع الدكتور ممدوح الشربيني (مدير المستشفى الميداني بميدان التحرير)، نفقات علاجها بالقصر العيني.
ومن حينها، مرت الدكتورة وفاء خليفة بسلسلة طويلة من المعاناة، في مسعاها للحصول على حقها في العلاج كأحد مصابي الثورة، خاصة بعد أن أدت تداعيات إصابتها وإهمال العلاج العاجل إلى إصابتها بورم خبيث، وتعرضت للطرد أكثر من مرة والضرب والاعتداء.
“وفاء الثورة” كما يحلو للبعض تسميتها، كانت إيجابية، وتجلى ذلك في ما كانت تبديه من عزم وقوة رغم ما تعرضت له، وكانت تستقبل كل من يسأل عنها بابتسامة ثقة ورضا، ورغم كونها كانت مجبرة على الحركة فوق كرسي متحرك، كانت تصر على المرور بباقي المصابين وهي تدعو لهم وتتلو القرآن، لشد أزرهم.
عن أيامها الأخيرة، يحكي الدكتور علي حسن الطبيب في مستشفى القصر العيني، أنها أتت إلى المستشفى وهي في حالة يرثى لها وتعاني من هزال شديد، وفقدت وعيها وهي في الاستقبال، وبعد أن أخضعها للكشوفات اللازمة، قال لها أنت بحاجة للاهتمام، فردت بأنه لا يوجد من يهتم بها.
علم الطبيب أنها تعرضت لسرقة سكنها، وأنها تقدمت بالعديد من الشكاوى، وأنها تعالج من سرطان الرئة، وسعى جاهدا لتتحقق أمنيتها بأن يقبل المستشفى بحجزها، وفي نهاية أيامها طلبوا منها ترك المستشفى باعتبارها غير مستحقة للبقاء فيه وأعطوها مهلة حتى يوم السبت 12 أكتوبر 2013، ليحين أجلها قبل هذا التاريخ بيوم.
كانت وصيتها الوحيدة، والتي لم تتحقق للأسف، هي أنه في حال وفاتها أن تخرج جنازها من مسجد عمر مكرم الموجود بميدان التحرير، ودفنها إلى جوار شهداء ثورة يناير.